أخرج الإمام أحمد وأبو داود بسند صحيح عن أبي تميمة، عن رجل من قومه، أنه أتى رسول الله - ﷺ -، أو قال شهدت رسول الله - ﷺ - وأتاه رجل فقال: أنت رسول الله أو قال: أنت محمد؟ فقال: نعم. قال: فإلامَ تدعو؟ قال: [أدعو إلى ربك الذي إن مَسَّكَ ضر فدعوته كشفَ عنكَ، والذي إن أضللت بأرض قفرٍ فدعوته ردّ عليك، والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت لك] (١).
وقوله تعالى: ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾.
أي: إن الذي أقررتم له بفعل ذلك كله هو الله ربكم وإلهكم الحق، فأفردوه بالتعظيم فإنه لا يستحق ذلك غيره، وكل معبود سواه باطل. قال ابن كثير: (وقوله: ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾، أي: فكيف تُصْرَفُون عن عبادته إلى عبادة ما سواه، وأنتم تعلمون أنه الربُّ الذي خلقَ كُلَّ شيء، والمتصرّف في كل شيء؟ ! ).
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
أي: بسبب ما كان من إصرار المشركين على عبادة وتعظيم غير الله مع اعترافهم لله تعالى بالخلق والأمر، كان ما كتب الله في اللوح المحفوظ من استحقاق هؤلاء المشركين الشقاء في الدار الآخرة.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣].
٢ - وقال تعالى: ﴿قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١].
٣ - وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [المدثر: ٣١].
ولكن هذه الكتابة في اللوح المحفوظ هي كتابة علم لا كتابة جبر، فإن أهل الشقاء اختاروا سبيلهم ذلك بأعمالهم، كما اختار أهل السعادة سبيل سعادتهم بأعمالهم.
وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله: [ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة. قالوا: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسييسر

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (٤٠٨٤) انظر صحيح سنن أبي داود (٣٤٤٢)، كتاب اللباس، وانظر صحيح الجامع الصغير (٢٤٢)، ورواه أحمد.


الصفحة التالية
Icon