وقوله: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.
قال ابن جرير: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع، أم من لا يهتدي إلى شيء إلّا أن يهدى؟ ).
وقال النسفي: (أفمن يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي أي لا يهتدي بنفسه أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله. وقيل معناه: أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه إلا أن يهدى إلا أن ينقل، أو لا يهتدي ولا يصح منه الاهتداء إلا أن ينقله الله من حاله إلى أن يجعله حيًا ناطقًا فيهديه ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ بالباطل حيث تزعمون أنهم أنداد الله).
وقرأ عامة قراء المدينة "أمَّن لا يَهْدِّي" بتسكين الهاء وتشديد الدال، في حين قرأها بعض قراء مكة والشام والبصرة: "يَهَدِّي" بفتح الهاء وتشديد الدال، وقرأها بعض قراء الكوفة "يَهِدِّي" بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال، وبعضهم قرأها "أمْ مَنْ لا يَهْدي".
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾.
قال القرطبي: (﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا﴾ يريد الرؤساء منهم، أي ما يتبعون إلا حَدْسًا وتخريصًا في أنها آلهة وأنها تشفع، ولا حجة معهم. وأما أتباعهم فيتبعونهم تقليدًا. ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ أي من عذاب الله، فالحق هو الله. وقيل "الحق" هنا اليقين، أي ليس الظن كاليقين. وفي هذه الآية دليل على أنه لا يُكْتَفَى بالظن في العقائد. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ من الكفر والتكذيب، خرجت مخرج التهديد).
٣٧ - ٤٠. قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (٤٠)﴾.
في هذه الآيات: تقرير من الله تعالى أن هذا الكتاب العظيم المعجز لا يقدر أحد