المرتبة الثالثة: المجيء بسورة واحدة. قال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣].
وهذه الآية هنا من سورة يونس هي في ذلك المقام الثالث من التحدي: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾. أي: بل كذب المشركون بهذا القرآن جهلًا بحقه فما عرفوه وما فهموه ولم يدركوا آفاق ما فيه من الهدى والدين الحق كما فعل المكذبون من الأمم قبلهم فانظر يا محمد كيف كان مصير من كذب وطغى وتعامل مع الوحي المنزل بالجهل والافتراء والهوى.
قال ابن جرير: (﴿وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾، يقول: ولما يأتهم بعدُ بيان ما يؤول إليه ذلك الوعيد الذي توعّدهم الله في هذا القرآن). وقال القاشاني: (تأويله: أي ظهور ما أشار إليه في مواعيده، وأمثاله مما يؤول أمره وعلمه إليه، فلا يمكنهم التكذيب، لأنه إذا ظهرت حقائقه لا يمكن لأحد تكذيبه).
وقوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ﴾.
قال القرطبي: (﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ﴾ قيل: المراد أهل مكة، أي ومنهم من يؤمن به في المستقبل وإن طال تكذيبه، لعلمه تعالى السابق فيهم أنهم من السعادة. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ﴾ والمعنى ومنهم من يُصر على كفره حتى يموت، كأبي طالب وأبي لهب ونحوهما. وقيل المراد أهل الكتاب. وقيل هو عام في جميع الكفار، وهو الصحيح. قال: ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ﴾ أي من يُصرّ على كفره، وهذا تهديد لهم).
٤١ - ٤٤. قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (٤٢) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (٤٣) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)﴾.
في هذه الآيات: خطاب الله تعالى لنبيه - ﷺ - مُسَلِّيًا: إن أصَرَّ هؤلاء المشركون على