تكذيبك فقل لهم: لي عملي ولكم عملكم، وكل سينال تبعة عمله. ومنهم من يستمعون إلى قولك ولكنهم لا يفقهون. ومنهم من ينظرون إليك ويقرؤون الصدق في وجهك ودلائل النبوة، ولكن غلبهم العمى فهم لا يبصرون. إن الله لا يظلم أحدًا: فمن استحق الهداية نوّر الله قلبه وبصيرته، ومن استحق الخذلان أعمى الله قلبه وبصيرته، فالناس هم أنفسهم يُسْعِدُون أو يظلمون.
فقوله: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾. أي: إن كذبك هؤلاء المشركون من قومك ويئست من إجابتهم - يا محمد - فتبرَّأ منهم ومن عملهم وقل لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم، فلا يضرني عملكم ولا يضركم عملي، ولكم دينكم ولي دين، وهو قوله: ﴿أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
وفي التنزيل: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون].
وقوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ﴾. أي: ومن هؤلاء المشركين من يستمعون إلى قولك ولكنهم لا يفقهون ما تقول ولا يريدون. قال ابن جرير: (يقول: أفأنت تخلق لهم السمع، ولو كانوا لا سمع لهم يعقلون به، أم أنا؟. قال: وإنما هذا إعلامٌ من الله عبادَه أن التوفيق للإيمان به بيده لا إلى أحد سواه. يقول لنبيه محمد - ﷺ -: كما أنك لا تقدر أن تسمع، يا محمد، من سلبته السمع، فكذلك لا تقدر أن تفهم أمري ونهيي قلبًا سلبته فهم ذلك، لأني ختمتُ عليه أنه لا يؤمن).
وقوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾.
قال النسفي: (ومنهم ناس ينظرون إليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة ولكنهم لا يصدقون. أتحسب أنك تقدر على هداية الأعمى ولو انضم إلى فقد البصر فقد البصيرة، لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يحدث، وأما العمى مع الحمق فجهد البلاء، يعني أنهم في اليأس من أن يقلبوا ويصدقوا كالصم والعمى الذين لا عقول لهم ولا بصائر).
وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [تُعرض الفِتنُ كالحصير عودًا عودًا، فأي قَلبٍ أُشْرِبَها نُكت فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرَها نُكِتَ فيه نكتةٌ بيضاء، حتى يصيرَ على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضرُّه فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسودُ مُرْبادًا كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف


الصفحة التالية
Icon