وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.
أي: إن كل كافر حق عليه العذاب يتمنى لو افتدى من عذاب جهنم بملء الأرض ذهبًا ولكن لا حيلة له إلى ذلك، فإن الله تعالى لا يحابي أحدًا من خلقه، وإنما ستملأ الندامة صدور المشركين حين يرون العذاب يوم القيامة، ولا يُظلم أحدٌ يومئذ شيئًا. قال ابن جرير: (﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ يقول: وقضى الله يومئذ بين الأتباع والرؤساء منهم بالعدل، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾، وذلك أنه لا يعاقب أحدًا منهم إلا بجريرته، ولا يأخذه بذنب أحد، ولا يعذِّب إلا من قد أعذر إليه في الدنيا وتابع عليه الحجج).
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (١٠٦) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (١٠٧) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٦ - ١٠٨].
ومن السنة الصحيحة في آفاق هذا المعنى أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: [إن الله ليُمْلي للظالم، فإذا أخذه لم يُفلته ثم قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾] (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري من حديث أبي هريرة، عن النبي - ﷺ - قال: [أعذر الله إلى امرئٍ أخَّر أجله حتى بلغ ستين سنة] (٢).
الحديث الثالث: أخرج الحاكم من حديث سهل بن سعد مرفوعًا: [من عَمَّرَ من أمتي سبعين سنة، فقد أعذر الله إليه في العمر] (٣).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (١١/ ٢٠٠ - فتح)، وأحمد (٢/ ٢٧٥)، وأخرجه الحاكم (٢/ ٤٢٧) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) حديث صحيح. أخرجه الحاكم (٢/ ٤٢٨) - وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وأقره الألباني في السلسلة الصحيحة (١٠٨٩). وانظر مسند أحمد (٢/ ٤١٧).