وفي لفظ آخر: [إذا بلغ العبد - أو قال: إذا عمر العبد - ستين سنة، فقد أبلغ الله إليه، وأعذر الله إليه في العمر].
٥٥ - ٥٨. قوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)﴾.
في هذه الآيات: إثبات الملك جميعه لله، ويوم الحشر بعض ذلك، ووعد الله نافذ في المشركين. فإنه تعالى يحيي ويميت وإليه المصير. يا أيها الناس قد جاءكم زاجر من ربكم وقوارع من الوحي، فيه شفاء للصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين. فليفرح القوم بهذا القرآن العظيم، وهذا الشرع الكريم، هو خير مما يجمعون.
فقوله: ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. أي: له ملك كل شيء فلا سبيل للكافرين من فداء للنجاة من لقاء الله وعذابه. ﴿أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: إن العذاب الذي أوعده الله المشركين على كفرهم واقع بهم لا محالة، ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون حقيقة وقوع ذلك بهم، فهم في جهلهم يترددون، ولأجل ذلك يُكذبون.
وقوله: ﴿هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. قال النسفي: (هو القادر على الإحياء والإماتة لا يقدر عليهما غيره ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ وإلى حسابه وجزائه المرجع فيخاف ويرجى).
وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾. قال ابن كثير: (﴿مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أي: زاجر عن الفواحش، ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ أي: من الشُّبَهِ والشكوك، وهو إزالةُ ما فيها من رجس ودَنَس). وقال القاسمي: (﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ أي: القلوب من أمراضها، كالشك والنفاق، والغل والغش، وأمثال ذلك، بتعليم الحقائق، والحكم الموجبة لليقين، وتصفيتها بقبول المعارف، والتنوّر بنور التوحيد، ﴿وَهُدًى﴾ أي: لنفوسكم من الضلالة، ﴿وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي: لمن آمن به، بالنجاة من العذاب والارتقاء إلى درجات النعيم).