وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (٦٩) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾.
أي: قل - يا محمد - لهؤلاء الذين يفترون على الله الباطل ويتطاولون بانتقاص جلال صفاته وكمالها، فيدعون له ولدًا، لن تفلحوا في طريقتكم بل إنكم تمتعون أيام حياتكم الدنيا، ثم تردون إلى أشد العذاب بما كنتم تكفرون.
قال ابن جرير: (﴿لَا يُفْلِحُونَ﴾ يقول: لا يَبْقَوْن في الدنيا، ولكن لهم متاع في الدنيا يمتعون به، وبلاغ يتبلغون به إلى الأجل الذي كُتِبَ فناؤهم فيه، ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾، يقول: ثم إذا انقضى أجلهم الذي كتب لهم، إلينا مصيرهم ومنقلبهم، ﴿ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ﴾، وذلك إصلاؤهم جهنم، ﴿بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ بالله في الدنيا، فيكذبون رسله، ويجحدون آياته).
٧١ - ٧٣. قوله تعالى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (٧١) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٧٢) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣)﴾.
في هذه الآيات: أمْرُ الله تعالى نبيّه - ﷺ - أن يقصص على كفار مكة نبأ نوح - ﷺ - مع قومه، إذ تحدّى قومه الذين استكبروا عن وعظه لهم بحجج الله البالغة أن يفعلوا ما بوسعهم فهو متوكل على ربه، ولا يريد منهم أجرًا، بل كان هو أول المسلمين. فلما أصروا على عنادهم وتكذيبهم أغرقهم الله ونجّى نوحًا ومن معه من المؤمنين، فجعلهم خلائف في الأرض من بعدهم وساء عاقبة المنذرين.
فقوله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ﴾ أي: أخبرهم - يا محمد - واقصص على كفار مكة الذين يكذبونك ويجحدون نبوتك خبر نوح عليه الصلاة والسلام - ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ﴾. قال ابن جرير: (يقول: إن كان عظُمَ عليكم مقامي بين أظهركم وشق عليكم ﴿وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ﴾، يقول: ووعظي إياكم بحجج الله، وتنبيهي إياكم على ذلك).