وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء: ٥٧ - ٥٩].
لقد استقرت دولة موسى عليه السلام - بعد هلاك فرعون - على بلاد مصر، فألح بنو إسرائيل على بيت المقدس وكان فيه قوم من العمالقة، فلما مضى بهم موسى نكلوا عن قتالهم، فشردهم الله في التيه أربعين سنة، ومات فيه هارون، ثم موسى - عليهما السلام - وخرجوا بعدهما مع يوشَع بن نون، ففتح الله عليهم بيت المقدس. قال ابن كثير: (واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بُخْتَنَصَّر حينًا من الدهر، ثم عادت إليهم، ثم أخذها ملوك اليونان، وكانت تحت أحكامهم مدة طويلة، وبعث الله عيسى بن مريم - عليه السلام - في تلك المدة، فاستعانت اليهود - قَبَّحهم الله - على معاداة عيسى - عليه السلام - بملوك اليونان، وكانت تحت أحكامهم، ووشَوا عندهم، وأوحوا إليهم أن هذا يُفسد عليكم الرعايا. فبعثوا من يقبض عليه، فرفعه الله إليه وشبّه لهم بعض الحواريين بمشيئة الله وقدره، فأخذوه فصلبوه، واعتقدوا أنه هو، ﴿وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٧، ١٥٨]. ثم بعد المسيح - عليه السلام - بنحو ثلاث مئة سنة، دخل قسطنطينُ - أحد ملوك اليونان - في دين النصرانية، وكان فيلسوفًا قبل ذلك. فدخل في دين النصارى قيل: تقية، وقيل: حيلةً ليفسده، فوضعت له الأساقفةُ منهم قوانين وشريعةً وبِدعًا أحدثُوها، فبنى لهم الكنائسَ والبيَعَ الكبار والصغار، والصوامع والهياكل، والمعابد والقلَّايات (١). وانتشر دينُ النصرانية في ذلك الزمان، واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف، وَوَضْعٍ وكذب، ومخالفة لدين المسيح. ولم يبقَ على دين المسيح على الحقيقة منهم إلا القليلُ من الرهبان، فاتخذوا لهم الصوامعَ في البراري والمهامِهِ والقِفار.
واستحوذت يدُ النصارى على مملكةِ الشام والجزيرة وبلاد الروم، وبنى هذا الملك المذكورُ مدينة قُسطنطِينيَّةَ، والقُمَامة، وبيتَ لحم، وكنائس بيت المقدس، ومدن