بمصير الأمم المكذبة عبر الزمان، وقد كتب اللهُ الغلبة في النهاية والنجاة لأهل الصدق في الإسلام.
فقوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾. قال ابن عباس: (لم تكن قرية آمنت فنفعها الإيمان إذا نزل بها بأس الله، إلا قرية يونس). وقال مجاهد: (فلم تكن قرية آمنت فنفعها إيمانها، كما نفع قوم يونس إيمانهم إلا قوم يونس).
وقال قتادة: (لم يكن هذا في الأمم قبلهم، لم ينفع قريةً كفرت ثم آمنت حين حضرها العذاب، فتُرِكت، إلا قوم يونس، لما فقدوا نبيَّهم وظنوا أن العذاب قد دنا منهم، قذف اللهُ في قلوبهم التوبةَ، ولبسوا المسوح (١)، وفرقوا بين كل بهيمةٍ وولدها، ثم عَجُّوا إلى الله أربعين ليلة. فلما عرف الله الصدق من قلوبهم، والتوبةَ والندامة على ما مضى منهم، كشف اللهُ عنهم العذابَ بعد أن تدلَّى عليهم. قال وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى أرضِ الموصل).
والمقصود: أنه لم تؤمن قرية بكمالها من القرى في الأمم السالفة برسولها، بل كان التكذيبُ شعار أكثرها، إلا أهل نينوى - قوم يونس - خافوا نزول العذاب بهم إذ أنذرهم به رسولهم وقد خرج من بينهم وشعروا بدنو حلوله، فهنالك جأروا إلى الله تعالى واستغاثوا به وتضرعوا إليهِ، وأحضروا أطفالهم ودوابّهم ومواشيهم ذلكَ المشهد، فآمنوا واستغفروا فقبل اللهُ منهم وكشف عنهم العذاب الذي أنذرهم به رسولهم.
وبغير ذلك - يا محمد - كان شعار الأمم الماضية التكذيب بالرسل.
كما في التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [يس: ٣٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ [الذاريات: ٥٢].
٣ - وقال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣].