وما يتوسم فيه من المستقبل المزهر الذي يحتاج إلى رعاية قريبة، وكأنه يقرأ شمائل النبوة وهو يبصر في يوسف كمال الخَلْق والخُلُق، صلوات الله وسلامه عليهما وعلى المرسلين أجمعين.
قال ابن كثير: (﴿وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾، يقول: وأخشى أن تَشتَغلِوا عنه بِرَمْيِكُم وَرَعيَّتِكم فيأتيه ذئبٌ فيأكلَه، وأنتم لا تشعرون، فأخذوا من فَمِه هذه الكلمة، وجعلوها عُذْرهم فيما فعلوه، وقالوا مجيبين عنها في الساعة الراهنة: ﴿لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ﴾، يقولون: لئن عدا عليه الذئب فأكَلَه من بيننا، ونحنُ جماعةٌ، إنا إذن لهالِكون عاجِزون).
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾.
قال القاسمي: (﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ﴾ أي بعد مراجعة أبيهم في شأنه ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ فيه تعظيم لما أزمعوا، إذ أخذوه ليكرموه، ويدخلوا السرور على أبيه، ومكروا ما مكروا).
وقال القرطبي: (﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾ دليل على نبوّته في ذلك الوقت).
قال مجاهد: (أوحى إلى يوسف وهو في الجُبُّ أنْ سينبئهم بما صنعوا، وهم لا يشعرون بذلك الوحي). وقال قتادة: (﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بإيحاء الله إليه).
وقال ابن عباس: (ستنبئهم بصنيعهم هذا في حقك وهم لا يعرفونك ولا يستشعرون بك).
والخلاصة: لقد أوحى الله إلى يوسف أثناء ذلك الضيق والمفاجأة بمكر إخوته به لِيُطَيِّبَ خاطره، ويثبت قلبه، وينزل اليسر على العسر، بأن الله جاعل له من هذا الضيق مَخرجًا، ومن ذلك المكر نَصْرًا وفَرجًا، وأنه سبحانه سيرفعه عليهم ويُعلي مقامه ومنزلته وسيخبرهم يومًا بما فعلوا وبما صَدَرَ منهم.
١٦ - ١٨. قوله تعالى: {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا