صَادِقِينَ (١٧) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨)}.
في هذه الآيات: رجوع إخوة يوسف إلى أبيهم عشاء يبكون. وقد ركّبوا رواية كاذبة في شأن فقدان يوسف بأن أكله الذئب وهم يلعبون. وجاؤوا بدم كذب على قميصه فأيقن الأب بمكرهم فاحتسب وصبر مستعينًا بالله على ما يصفون.
فقوله تعالى: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾ - أي أقبلوا إلى أبيهم في ظلمة يبكون، ويظهرون الندم والأسف على فقدهم يوسف عليه الصلاة والسلام في حيلة كاذبة.
وقوله: ﴿قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾.
قال النسفي: (﴿نَسْتَبِقُ﴾ أي: نتسابق في العدو أو في الرمي). وقال ابن جرير: (ننتضل، من السباق).
وقال ابن كثير: (﴿إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ أي نترامى).
وقال القاسمي: (﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا﴾ أي ما يتمتع به من الثياب والأزواد وغيرهما ليحفظه). ﴿فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ أي كما حذرتَ).
وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾. قال السدي: (﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾: بمصدق لنا).
وفيه تلطّف منهم في محاولتهم تثبيت ما زعموا. أي نحن نعلم أنك لن تصدقنا على هذه الحالة ولو كنا عندك صادقين، فكيف وأنت غير واثق بما نقول، ونحن في موضع اتهام عندك في هذه القصة.
وقوله: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ - إذ غمسوا قميصه بدم معز كانوا ذبحوه.
قال مجاهد: (كان ذلك الدم كاذبًا، لم يكن دمَ يوسف). وقال ابن عباس: (﴿بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ بدم سخلة).
فلطخوا ثوب يوسف بدمها ليوهموا بذلك أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب. ولكنه فاتهم أن يخرقوه لتكتمل الرواية، فلم يرج صنيعهم على أبيهم يعقوب عليه السلام، وشعر في نفسه بمؤامرتهم وتمالئهم عليه فقال: