فهو سبحانه قائمٌ على أمر نبيّه يوسف - ﷺ -، يسوسه ويدبّره ويحوطه، ويهيِّئ له ما ينبغي لمقام النبوة.
وقوله: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ - أي: لا يدرون حكمة الله في تقديره، وتلطفه في أوليائه، ومكره بأعدائه.
وقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.
أي: ولما بلغ يوسف - عليه الصلاة والسلام - منتهى شدته وريعان شبابه وغاية قوته، أعطيناه الفهم والحكمة والعلم، وكذلك سنة الله تعالى في مجازاة المحسنين، فإن من حفظ شبابه وجوارحه وقلبه عن معصية الله، حفظه الله وأكرمه وعلمه ورعاه.
قال ابن كثير: (﴿وَلَمَّا بَلَغَ﴾، أي: يوسف - عليه السلام - ﴿أَشُدَّهُ﴾، أي: استكمل عقلهُ وتمَّ خلقُه، ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ يعني النبوة، إنه حباه بها بين أولئك الأقوام، ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾، أي: إنه كان محسنًا في عَمَلهِ، عاملًا بطاعةِ ربه تعالى).
٢٣ - ٢٤. قوله تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)﴾.
في هذه الآيات: محاولة امرأة العزيز - التي كان يوسف في بيتها بمصر وقد أوصاها زوجها بإكرامه، إلا أنها أحبته حبًّا شديدًا لشدة جماله وحسنه وبهائه - فحاولته عن نفسه، وتجملت له، وغلقت عليه الأبواب ودعته إلى نفسها فأبى - عليه الصلاة والسلام - واعتصم بالله ليحميه من الوقوع والزلل، ومن خيانة سيده في أهله، إنه لا يفلح الظالمون. ولقد أرادت مراودة يوسف وإغراءه بكل طريقة وما زالت به حتى خطر في نفسه ما يخطر مما زَيَّنَت له، إلا أنه تذكَّر عظمة الله سبحانه فاستحيا منه فعصمه الله، إنه من عباد الله المخلصين.
فعن السدي: (﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ﴾، قال: أحبته).