قال ابن إسحاق: (﴿أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾، أمنني على بيته وأهله). وقال السدي: (﴿أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾، فلا أخونه في أهله).
وقوله: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ - قال ابن إسحاق: (قال: هذا الذي تدعوني إليه ظلم، ولا يفلح من عمل به).
وقوله: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾.
أي: ولقد أرادت مراودة يوسف وبذلت لذلك من محاولاتها بإغرائه بزينتها وجمالها ليدنو منها، وما زالت به حتى خطرَ في نفسه من خطرات ما زَيَّنَت له، وأوشك أن يجيبها إلى ما دعته إليه، إلا أنه تَذَكَّرَ عظمة الله سبحانه فاستحيا منه فعصمه ربه عز وجل.
وهَمَّ بالشيء - في كلام العرب - أراده. وكذلك الهَمُّ بالشيء: حديث المرء نفسه بمواقعته ما لم يُواقع. قلت: ومن هنا فإن قوله: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ﴾ ينزل على المعنى الأول: أرادت وحاولت. وقوله: ﴿وَهَمَّ بِهَا﴾ - ينصرف إلى المعنى الثاني: هَمُّ خَطَرات وحديث النفس والاقتراب من الوقوع. وهذا التفسير ينسجم مع عصمة النبوة.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [مَنْ هَمَّ بحسنة فلم يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ له حَسَنَةٌ، ومَنْ هَمَّ بحَسَنَةٍ فعمِلَها كُتِبَتْ له عَشْرٌ إلى سبع مئة ضِعْفٍ، ومَنْ هَمَّ بسيئةٍ فلم يَعْمَلْها، لَمْ تُكْتَب، وإن عَمِلَها كُتِبَتْ] (١).
وفي لفظ: قال رسول الله - ﷺ -: [قال الله عز وجل: إذا هَمَّ عَبْدي بسيئة فلا تكتبوها عليه، فإنْ عَمِلَها فاكتبوها سيئة، وإذا هَمَّ بحسنة فلم يَعْمَلْها فاكتبوها حسنة، فإن عَمِلها فاكتبوها عَشْرًا].
وهناك أقوال غريبة بعيدة ذكرها المفسرون في تفسير هذه الآية:
قيل: همَّ بضربها. وقيل: تمنّاها زوجة. وقيل: ﴿وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾، أي: فلم يَهُمَّ بها. وهذا وجه بعيد لغة، وهو أبعد مما قيل قبله. وأبعد من ذلك كله ما روي أنها استلقت له وجلس بين رجليها أو حَلَّ ثيابه، إلى غير ذلك، مما لا يليق بمقام النبوة. وكان أولى بالمفسرين ألا يُسَطِّروا مثل هذه التفاسير - المستنكرة المأخوذة

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٢٩) - كتاب الإيمان. باب إذا همَّ العبد بحسنة كتبت وإذا همَّ بسيئة لم تكتب. واللفظ الآخر برقم (١٢٨)، ورواه أحمد (٢/ ٣١٥)، وابن حبان (٣٧٩)، وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon