من الإسرائيليات - في تفاسيرهم، فإن عصمة الأنبياء وحياءهم ورفيع درجاتهم يعارضه من كل وجه، ويبقى ما ذكرناه في تفسير "الهَمِّ" بنوعيه، من امرأة العزيز وما قابله من يوسف عليه الصلاة والسلام، فعصمه الله بحيائه وصدق خوفه من ربه عز وجل.
وقوله: ﴿لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ - أي: لولا أن أراه الله تعالى من آياته ما زجره عما كان همَّ به، وذكّره بعظمة ربه تعالى فاستحيا منه. لقد رأى يوسف عليه السلام الإيمان، فاستحيا من الله تعالى فَلَزِمَ مقام الإحسان.
وأما ما رُوي عن مجاهد والحسن والضحاك وغيرهم أنه رأى صورة أبيه يعقوب - عليه السلام - عاضًا على إصبعه بفمه، وفي رواية: فضرب في صدر يوسف، أو ما رُوي عن ابن عباس: أنه رأى خيال سيده، يعني الملك، إلى غير ذلك، من التصاوير والخيالات فإنه لا تقوم بها حجة.
وقوله: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾.
أي: أريناه برهانًا صرفه إلى الخوف من الله وتعظيم أمره فوق شهوات الدنيا، لِنَقِيَهُ الوقوع في السوء والفحشاء، فإنه من عبادنا المطهَّرِين المُجْتَبين الأخيار الصالحين.
٢٥ - ٢٩. قوله تعالى: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (٢٩)﴾.
في هذه الآيات: مُسَابَقَةُ امرأة العزيز يوسف إلى الباب وتمزيقها قميصه أثناء هروبه منها، وظهور سيدها لدى الباب، فأظهرت الكذب باتهامها يوسف بإرادته السُّوء محرضة عليه زوجها بالسجن أو العذاب الأليم. فكذبها يوسف وشهد شاهد من أهلها إن كان تمزيق القميص من قُبُلٍ فهي صادقة وإلا كانت من الكاذبين. فلما رأى زوجها قميصه قد مُزق من خلفه علم أنه من كيدهن إن كيدهن عظيم. فأمره ألا يحدث بذلك