للنبي - ﷺ - والمؤمنين، ويظنون أنه تخفى على الله أحوالهم. ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ أي يطوونها على عداوة المسلمين).
التأويل الثاني: قال مجاهد: (﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ شكًا وامتراءً). وقال الحسن: (يثنونها على ما فيها من الكفر). وهو وجه من التأويل ذكره البخاري.
التأويل الثالث: قيل: قال المنافقون إذا غلقنا أبوابنا، واستغشينا ثيابنا، وثَنَيْنَا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا؟ فنزلت الآية.
التأويل الرابع: قيل: إن قومًا من المسلمين كانوا يتنسّكون بستر أبدانهم ولا يكشفونها تحت السماء، فَبَيَّن الله تعالى أن التنسُّكَ ما اشتملت عليه قلوبهم من معتقد، وأظهروه من قول وعمل. وقد صح إسناد هذا إلى حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه - عند تفسير هذه الآية - عن محمد بن عباد بن جعفر: أنه سمع ابن عباس يقرأ: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ قال: سألته عنها فقال: [أناسٌ كانوا يستخفون أنْ يَتَخَلَّوا فَيُفْضُوا إلى السماء، وأن يجامعوا نِساءهم فَيُفْضُوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم] (١).
الحديث الثاني: أخرج البخاري - كذلك - عنه أن ابن عباس قرأ: (أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوني صُدُورَهُمْ)، قلت: يا أبا العَبَّاس، ما تَثْنَوني صدورُهم؟ قال: [كان الرَّجُلُ يجامع امرأتَه فيستحي أو يَتَخَلَّى فيستَحي، فنزلت: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾] (٢).
الحديث الثالث: أخرج البخاري عن سفيان: [حدّثنا عَمْروٌ قال: قرأ ابنُ عَبَّاس: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾. وقال غيره عن ابن عباس: ﴿يَسْتَغْشُونَ﴾: يغطون رؤوسهم] (٣).
والخلاصة: يحتمل البيان الإلهي لهذه الآية المعاني السابقة من التأويل، وهو من إعجاز هذا الوحي العظيم، الذي يضم جوامع الكلم ويشع بنوره وهديه إلى آفاق شتى من خلاف التنوع لا التضاد.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٦٨٢) - كتاب التفسير - سورة هود، آية (٥).
(٣) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٦٨٣) - كتاب التفسير - سورة هود، باب: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.