وخلاصة المعنى: شهد الحكم من أهلها، إن كان قميص يوسف قد شُقَّ من قُدّامه فهو بذلك إنما أرادها عن نفسها فأبت ودفعته في صدره فقَدَّت قميصه من مقدمته فيصح عند ذلك قولها. وأما إن كان الشق من خلف القميص فهو يعني أنها لما أرادته لنفسها وهرب منها واتبعته طالبة له فأمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها، فقدّت بذلك قميصه من ورائه وهو بذلك بريء ولا يصح قولها.
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾.
قال ابن كثير: (أي فلما تحقق زوجُها صدقَ يوسف وكَذِبها فيما قذفته ورمته به، ﴿قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ﴾ أي: إن هذا البهت واللَّطخ الذي لَطَختِ عِرْضَ هذا الشاب به من جُملة كيدِكُنَّ، ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾). والكيد: المكر والحيلة.
قال القرطبي: (وإنما قال ﴿عَظِيمٌ﴾ لعظم فتنتهنّ واحتيالهنّ في التخلّص من ورطتهنّ).
وقوله تعالى: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾.
أي: يأمر زوجُها يوسفَ عليه السلام - حين تبين له حقيقة ما حصل أن يكتم ما وقع ولا يذكره لأحد، ويأمر امرأته أن تستغفر مما صدر منها بحق هذا الشاب البريء فإنها هي التي أذنبت وأخطأت.
قال ابن زيد: (﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾، قال: لا تذكره، واستغفري أنت زوجك، يقول: سليه أن لا يعاقبك على ذنبك الذي أذنبت، وأن يصفح عنه فيستره عليك).
قال ابن كثير: (يقول لامرأته وقد كان ليِّنَ العريكة سهلًا، أو أنه عذرها، لأنها رأت ما لا صَبْرَ لها عنه، فقال لها: ﴿وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ﴾، أي: الذي وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب، ثم قَذْفِه بما هو بريءٌ بلا منه، استغفري من هذا الذي وقع منك، ﴿إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾).
٣٠ - ٣٤. قوله تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ