الحُسْنَ في البَشَرِ على هذه الصورة الرائعة المدهشة التي تأخذ بالعقول والألباب.
وقوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ - قال قتادة: (قلن: ملك من الملائكة).
وقوله: ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ - قال ابن كثير: (تقول هذا مُعتذِرة إليهن بأن هذا حقيق بأن يُحَبَّ لجماله وكماله).
ثم أقرّت لهن بأنها قد راودته عن نفسه، وكان منها ما تحدَّثن به في شأنها معه.
وهو قوله: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ - قال ابن عباس: (فامتنع).
وقوله: ﴿وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ - قال ابن جرير: (يقول: ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه، ﴿لَيُسْجَنَنَّ﴾، تقول: لَيُحْبَسَنَّ، وليكونًا من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن، ولأهينَنَّه).
فهناك لجأ يوسف - عليه الصلاة والسلام - إلى ربه عز وجل ليحميه من كيدهن، وهو قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.
قال ابن إسحاق: (قال يوسف، وأضاف إلى ربه، واستغاثه على ما نزل به، ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾، أي: السجن أحبَّ إلي من أن آتي ما تكره). وقال السدي: (من الزنا). وقال ابن زيد: (﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾: قال: إلا يكن منك أنت العون والمنعة، لا يكن مني ولا عندي).
قال القرطبي: (﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ﴾ جواب الشرط، أي: أمِلْ إليهن). وقال النسفي: (والصبوة الميل إلى الهوى، ومنه الصبا لأن النفوس تصبو إليها لطيب نسيمها وروحها).
عن ابن إسحاق: (﴿وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾، أي: جاهلًا، إذا ركبت معصيتك).
وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
قال ابن كثير: (وذلك أن يوسفَ - عليه السلام - عصمه الله عِصمةً عظيمة، وحماه فامتنع منها أشدَّ الامتناع، واختار السجن على ذلك، وهذا في غاية مقاماتِ الكمال: أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سَيِّدَتُه، وهي امرأة عزيز مصر، وهي مع هذا في غايةِ الجمال والمال والرياسة، ويمتنع من ذلك، ويختار السِّجنَ على ذلك، خوفًا من الله ورجاءَ ثوابه).