قلت: وفي هذه القصة ما يشدّ عزيمة الشباب الذين أسرفوا على أنفسهم في اتباع الهوى والشهوات، وغاصوا في متاهاتها، وعلقوا في حبائلها، أنهم لو صدقوا الله الدعاء بالنجاة من تبعاتها وشباكها، وعزموا على التماس حياة الطهارة والعفاف، لأعانهم ربهم سبحانه على ترك تلك المآثم والمحرمات. وقد مررت بشباب انغمسوا في تلك المحرمات حتى صارت تلحقهم، فَذَكَّرْتُهُم بصدق يوسف - عليه الصلاة والسلام - إذ التجأ إلى ربه ليخلصه من مكرهن، فَصَدَقَهُ سبحانه الإجابة: ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ لدعاء يوسف ودعاء عباده جميعًا ﴿الْعَلِيمُ﴾ بصدق نياتهم وإخلاصهم لربهم وبجميع أحوالهم.
وفي الصحيحين: عن أبي هريرة، أن رسول الله - ﷺ - قال: [سبعةٌ يُظلهم الله في ظله يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه، إمامٌ عادلٌ، وشاب نشأَ في عبادة الله، ورجُلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه. ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجلٌ تَصَدَّق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شِمالُهُ ما أنفقت يمينُه، ورجلٌ ذكرَ اللهَ خاليًا ففاضَتْ عيناه، ورجل دعتْهُ امرأةٌ ذات مَنْصِبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله] (١).
٣٥ - ٣٨. قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٣٨)﴾.
في هذه الآيات: ظُهُورُ المصلحة للقوم بسجن يوسف إخفاء للحقيقة، ودرءًا

(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٦٠)، ومسلم (١٠٣١) ح (٩١)، والترمذي بعد الحديث (٢٣٩١)، والنسائي (٨/ ٢٢٢ - ٢٢٣)، وأحمد (٢/ ٤٣٩)، وابن خزيمة (٣٥٨)، وابن حبان (٤٤٨٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon