للفضيحة. وقصة يوسف مع ساقي الملك وخبازه في السجن في تأويل رؤياهم. وإعلانُ يوسف اجتنابه ملة الكفر واتباعه منهاج النبوة.
فعن ابن إسحاق: (﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ﴾، ببراءته مما اتهم به، من شق قميصه من دبر، ﴿لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾).
وعن قتادة: (﴿مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ﴾، قال: ﴿الْآيَاتِ﴾، حزُّهُنَّ أيديهن، وقدُّ القميص). وذكر السّدي: أنهم إنما سجنوه لئلا يشيع ما كان منها في حقِّه ويبرأ عرضُه فيفضَحَها.
والخلاصة: لقد ظهر لهم أن المصلحة سجنه إلى مدة، رغم ما ظهر من عِفَّته وأدلة صدقه ونزاهته وبراءته، لضبط ما شاع بين الناس في حق امرأة العزيز، ليوهموا بذلك على الناس الأمر. قال ابن كثير: (ولهذا لما طلبه الملكُ الكبيرُ في آخر المدة، امتنع من الخروج حتى تتبَيَّنَ براءتُه مما نُسِبَ إليه من الخيانة، فلما تقرّر ذلك خَرَجَ وهو نَقِيُّ العِرْض، صلوات الله عليه وسلامه).
وقوله: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ - قال قتادة: (كان أحدهما ساقِيَ الملك، والآخر خَبَّازَه). وقال السدي: (وكان سبب حَبْسِ الملك إياهما أنه توهَّمَ أنهما تمالآ على سَمِّه في طعامه وشرابه).
وقوله: ﴿قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
إنهما رَأَيَا منامًا، فرأى الساقي أنه يعصر عِنَبًا، ورأى الخبَّاز أنه اختبز خبزًا فحمله على رأسه فجاء الطير فأكل منه. وفي قراءة ابن مسعود: ﴿إني أراني أعصر عِنَبًا﴾. وقال الضحاك: (﴿إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا﴾ يعني عِنَبًا، قال: وأهل عُمَان يُسَمُّون العِنَبَ خمرًا). وقال عكرمة: (قال له: إني رأيتُ فيما يرى النائمُ أني غَرَسْتُ حَبَلَةً من عِنَبٍ فنبتت، فخرج فيه عناقيد، فعصرتُهُنَّ ثم سَقَيْتُهُنَّ المَلِك. قال: تمكث في السجن ثلاثة أيام، ثم تخرجُ فتسقيَه خَمْرًا. وقال الآخر: وهو الخبّازُ: ﴿إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾). قال الضحاك: (﴿إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾: كان يوسع للرجل في مجلسه، ويتعاهد المرضى).
وكان يوسف - عليه الصلاة والسلام - قد عُرِف في السجن بكرمه وجوده وصدق حديثه، وحُسْن سمته، وكثرة عبادته ومعرفة التعبير، والإحسان إلى أهل السجن،


الصفحة التالية
Icon