أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٤٠) يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (٤١)}.
في هذه الآيات: نَصيحةُ يوسف في السجن لصاحبيه إفراد الله تعالى بالعبادة والتعظيم، ونبذ الشرك وسبل الشيطان الرجيم، وتأويله الرؤيا لهما بما أوتيه من توفيق الله الحكيم.
فعن ابن إسحاق قال: (ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام، فقال: ﴿يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾، أي: خيرٌ أن تعبدوا إلهًا واحدًا، أو آلهة متفرقة لا تغني عنكم شيئًا).
فاستفاد يوسف - عليه الصلاة والسلام - من إقبال الرجلين عليه إلى دعوتهما إلى عبادة الله وحده، وإفراده بالكبرياء والتعظيم، وخلع ما سواه من الأوثان التي يعكف عليها القوم، فإن الله هو الواحد القهار الذي قهر كل شيء، وذلّ له كل شيء.
وقوله: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾.
قال القاسمي: (يعني أنكم سميتم، ما لا يستحق الإلهية، آلهة، ثم طفقتم تعبدونها، فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء فارغة لا مسميات تحتها ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾ أي: حجة تدل على صحتها).
وقوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾.
قال الربيع بن أنس، عن أبي العالية: (أُسِّسَ الدين على الإخلاص لله وحده لا شريك له).
وقوله: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ - أي: هذا الذي دعوتكما إليه من البراءة من الطواغيت والأوثان، وإفراد الله تعالى بالعبادة والتعظيم، هو الدين القويم الذي لا اعوجاج فيه، وهو منهج الصدق في الإيمان.
وقوله: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ - أي: فهم يشركون بالله ويحسبون أنهم مهتدون.


الصفحة التالية
Icon