لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)}.
في هذه الآيات: خَبَرُ الرؤيا التي رآها الملك وسعى في تأويلها فَقُوبِلَ باعتذار من حوله عن المعرفة بتأويل الأحلام. وَتَذَكُّرُ الذي نجا من الرجلين علم يوسف بتأويل الأحلام فلجأ إليه بعدما نسيه عبر الأيام. وتأويل يوسف لرؤيا الملك بتوفيق الله له تأويلًا صدقته الأحداث والأزمان.
قال ابن إسحاق: (ثم إن الملك الريان بن الوليد رأى رؤياه التي رأى فهالته، وعرف أنها رؤيا واقعة، ولم يدر ما تأويلها، فقال للملأ حوله من أهل مملكته: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾ إلى قوله: ﴿بِعَالِمِينَ﴾).
وعن السدي قال: (إن الله أرى الملك في منامه رؤيا هالته، فرأى سبع بقراتٍ سمانٍ يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فجمع السحرة والكهنة والحُزَاة فَقَصَّها عليهم، فقالوا: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ﴾).
وهذه الرؤيا هي مما قدّر الله تعالى أن يراها ملك مصر لتكون سببًا لخروج يوسف عليه الصلاة والسلام من السجن عزيزًا مُكرّمًا، فجمع لتأويل رؤياه الكهنة والسحرة والحزاة وكبراء دولته ليفهموا أبعادها فاعتذروا بقولهم: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ - أي: إنها أخلاط، من الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها، وَمِنْ ثَمَّ فهي رؤيا كاذبة لا حقيقة لها. قال ابن عباس: (﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾، كاذبة). أو قال: (يقول مشتبهة). وقالوا: ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ﴾ - قال ابن جرير: (يقول: وما نحن بما تؤول إليه الأحلام الكاذبة بعالمين).
وعند ذلك تذكَّر الذي نجا من القتل من صاحبي السجن، وكان الشيطان قد أنساه ما وصّاه به يوسف من ذكر أمْرِه للملك، فتذكر بعد مدة فقال أنا أخبركم بتأويل هذا المنام فابعثون إلى يوسف الصديق إلى السِّجن. وهو قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ﴾.
وعن ابن عباس: (﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾، قال بعد حين) - أي: تذكر ما كان نسي من أمر يوسف وما وصّاه به، بعد مدة، فذكره بعد حين - أو قال: (بعد سنين). وعن