قال ابن إسحاق: (فخرج نبو (١) من عند يوسف بما أفتاهم به من تأويل رؤيا الملك، حتى أتى الملك فأخبره بما قال، فلما أخبره بما في نفسه كمثل النهار، وعرف أن الذي قال كائن كما قال، قال: ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾)،
وقال السدي: (لما أتى الملك رسوله فأخبره، قال: ﴿ائْتُونِي بِهِ﴾، فلما أتاه الرسول ودعاه إلى الملك، أبى يوسف الخروج معه، وقال: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾، الآية. قال السدي: قال ابن عباس: لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلمَ الملك بشأنه، ما زالت في نفس العزيز منه حاجَةٌ! يقول: هذا الذي راود امرأته).
وعن قتادة: (قوله: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ﴾، أراد نبيُّ الله عليه السلام أن لا يخرج حتى يكون له العذر). وقال ابن جريج: (أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن).
قلت: ولكن نبينا محمدًا - ﷺ - أخبرنا أن الأَوْلى في مثل هذه الأحوال الخروج من الضيق ومن تحت القيود والظلم، فإن الضيق والسجن قد يسيء إلى دين العبد ويفتنه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الطغاة قد لا ينفع معهم بسط القضايا للاعتذار، فإن الظلم دَيْدَنهم، ومن ثمَّ فإن المسارعة إلى الخروج هو السنة.
فقد أخرج الطبراني بسند جيد عن ابن عباس مرفوعًا: [عجبتُ لِصَبْر أخي يوسف وكرمه، والله يَغْفر له حيث أرسلَ إليه لِيُستَفْتى في الرؤيا، ولو كنت أنا لم أَفْعَل حتى أخرج. وعَجِبْتْ لصبره وكرمه والله يَغْفِرُ لهُ أُتيَ ليخرجَ فلم يخرجْ حتى أخبرهم بعذره، ولو كنت أنا لبادرت الباب] (٢).
وله شاهد من حديث الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لو لَبِثْتُ في السجن ما لبث يوسفُ ثم جاء الداعي لأجَبْتُهُ، إذ جاءه الرسولَ فقال: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾] (٣).
(٢) صحيح لشواهده. أخرجه الطبراني (١١٦٤٠)، وانظر مسند أحمد (٢/ ٢٣٢)، وقد مضى بتمامه.
(٣) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٢/ ٢٣٢)، وابن جرير في "التفسير" (١٢/ ١٣٩)، وانظر السلسلة الصحيحة (١٨٦٧). وكذلك أخرج الإمام أحمد اللفظ الآخر (٢/ ٣٨٩)، رقم (٩٠٣٧)، وانظر تعليق أحمد شاكر: المسند رقم (٨٥٣٥).