وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
هو قول امرأة العزيز (١): أي وما أبرئ نفسي من الزلل وما أشهد لها بالبراءة الكلية ولا أزكيها في عموم الأحوال أو في هذه الحادثة، فإن النفس لأمارة بالسوء في كل وقت. قال النسفي: (يعني أنها أمارة بالسوء في كل وقت إلا وقت العصمة، أو هو استثناء منقطع، أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الإساءة، وقيل هو من كلام امرأة العزيز - أي: ذلك الذي قلت ليعلم يوسف أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال الغيبة وجئت بالصدق فيما سئلت عنه، وما أبرئ نفسي مع ذلك من الخيانة، فإني قد خنته حين قَرّفته وقلت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن وأودعته السجن - تريد الاعتذار مما كان منها، إن كل نفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي - إلا نفسًا رحمها الله بالعصمة كنفس يوسف - ﴿إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: استغفرت ربها واسترحمته مما ارتكبت).
٥٤ - ٥٧. قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (٥٧)﴾.
في هذه الآيات: استِخْلاصُ الملك يوسف لنفسه وتقريبه، واختيار يوسف عليه الصلاة والسلام العمل على خزائن الأرض لحفظه وعلمه، وكذلك كان تمكين الله ليوسف في الأرض والله لا يضيع أجر المحسنين، ولأجر الآخرة خير وأحسن للمؤمنين المتقين.
فقوله: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ﴾ - يعني ملك مصر - وذكر ابن إسحاق أنه الوليد بن الريان.
وقوله: ﴿ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾ - قال سلمة، عن ابن إسحاق: (حين تبيَّنَ عذر

(١) أي: بحضرة الملك، ولم يكن يوسف - عليه السلام - عندهم، بل بعد ذلك أحضره الملك.


الصفحة التالية
Icon