يوسف، وعرف أمانته وعلمه، قال لأصحابه: ﴿ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾، يقول: أجعله من خُلصائي دون غيري).
وقوله: ﴿فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾.
قال ابن جرير: (يقول: فلما كلّم الملك يوسف، وعرف براءته وعِظَم أمانته قال له: إنك، يا يوسف، ﴿لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ﴾، أي: متمكن مما أردت وعرض لك من حاجة قِبَلَنا، لرفعة مكانك ومنزلتك، لدينا، ﴿أَمِينٌ﴾ على ما اؤتمنت عليه من شيء).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾.
هو مسألة يوسف عليه الصلاة والسلام للملك، ليوليه ما هو متقن في إدارته، مختص في شؤونه. قال ابن إسحاق: (﴿إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، إني حافظ لما استودعتني، عالم بما وليتني. قال: قد فعلت). وعن شيبة الضبي في قوله: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾، قال: (على حفظ الطعام). وقال: (يقول: إني حفيظ لما استودعتني، عليم بسني المجاعة).
قال ابن كثير: (﴿إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، مدح نفسه، ويجوز للرجل ذلك إذا جُهِلَ أمرُه، للحاجة. وذكر أنه ﴿حَفِيظٌ﴾، أي: خازِنٌ أمين، ﴿عَلِيمٌ﴾، ذو علم وبصر بما يتولاه. قال: وسأل العملَ لعِلْمِهِ بقدرته عليه، ولما في ذلك من المصالح للناس، وإنما سأل أن يُجْعَلَ على خزائن الأرض، وهي الأهراءُ التي يجمع فيها الغلات، لما يستقبلونه من السِّنين التي أخبرهم بشأنها، ليَتَصَرَّفَ لهم على الوجه الأحوطِ والأصلحِ والأرشدِ. فأجيبَ إلى ذلك رغبةً فيه، وتَكرِمَةً له).
قلت: والآية تدل على أركان العمل الصالح، أو العمل المقبول:
١ - الإخلاص.
٢ - الصواب.
فقوله: ﴿إِنِّي حَفِيظٌ﴾ يشير إلى الإخلاص. وقوله: ﴿عَلِيمٌ﴾ يشير إلى سلامة المنهج. وكذلك العمل الصالح لا بد فيه لينال رضوان الله وقبوله من الإخلاص والصواب. وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: ٢].