قال ابن زيد: (﴿يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾، قال: ملكناه فيما يكون فيها حيث يشاء من تلك الدنيا، يصنع فيها ما يشاء، فُوِّضَتْ إليه).
والخلاصة: لقد مكّنَ الله تعالى يوسف عليه السلام في أرض مصر، يتصرف فيها كيف يشاء، ويتخذ منها منزلًا حيث يشاء، بعد الضيق والحَبْس والإسار.
وقوله: ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
أي: تنال رحمته تعالى من يشاء من عباده، ولا يضيع جزاء من أحسن الطاعة وأقام الدين، وعظّم حرمات الله، كما كان ليوسف عليه الصلاة والسلام بعد الصبر على أذى إخوته واختيار السجن على المعصية، فكتب الله له في النهاية السلامة والنصر والتأييد، وكذلك حال كل مؤمن صبر على طاعة الله واجتناب معصيته ونصر دين ربهِ عز وجل.
يروي ابن جرير بسنده عن سلمة عن ابن إسحاق قال: (لما قال يوسف للملك: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾، قال الملك: قد فعلت! فولاه، فيما يذكرون، عملَ إطفير، وعزل إطفير عما كان عليه. يقول الله: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾، الآية. قال: فذكر لي، والله أعلم، أن إطفير هلَكَ في تلك الليالي، وأن الملكَ الرَّيان بن الوليد، زوَّج يوسف امرأة إطفير راعيل، وأنها حين دخلت عليه قال: أليس هذا خيرًا مما كنت تريدين؟ قال: فيزعمون أنها قالت: أيها الصديق، لا تلمني، فإني كنت امرأة كما ترى حسناء جميلة، ناعمةً في مُلْكٍ ودنيا، وكان صاحبي لا يأتي النساء، وكنتَ كما جعلَكَ الله في حُسنك وهيئتك على ما رأيتَ. فيزعمون أنه وجدها عذراء، فأصابها فولدت له رجلين: أفراثيم بن يوسف، وميشَا بن يوسف. وولد لأفراثيم نونُ، والد يُوشَع بن نون، ورحمةُ امرأةُ أيوبَ عليه السلام).
وقوله تعالى: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.
أي: ثم إنّ ما ادّخره الله ليوسف في الآخرة من الأجر والثواب الجزيل والخلود في النعيم، لهو أعظم من النفوذ والتمكين الذي أعطاه إياه في الدنيا، وكذلك شأن من جاهد لإعلاء كلمة الله في الأرض، فإن ما ينتظره في الآخرة من السرور والرزق الكريم أكبر من التمكين في الدنيا وسعادة قهر الأعداء ورؤية دين الله وشرعه يعلو كل منهج في الأرض.
وفي الصحيحين والمسند عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [قال الله تعالى: