أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطرَ على قلب بَشَر] (١).
٥٨ - ٦٢. قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (٦٠) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (٦١) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)﴾.
في هذه الآيات: بعد مضي سني الخصب السبع وتلتها سنين الجدب، وعَمَّ القحط بلاد مصر حتى وصل إلى بلاد كنعان، التي يقطنها يعقوب عليه السلام وأولاده، وقد مكّن الله تعالى ليوسف في وزارته بتلك البلاد، وباشَرَ مَهَامَّهُ فيها لتوزيع الثروات والغلات في أحسن وجه، لمواجهة القحط وسنوات الجدب، وكان بحق رحمة من الله على أهل مصر، وهنا ورد عليه الناس من مختلف الأقاليم والأمصار، يلتمسون عطاءه ويمتارون لأنفسهم وعيالهم، وكان من جملة مَنْ وَرَدَ للميرة إخوة يوسف، عن أمر أبيهم لهم بذلك، وكان بلغهم أن عَزيز مصر يُعطي الناس الطعام بثمنه، فأخذوا معهم بضاعة يعتاضون بها طعامًا، وركبوا عشرة نَفر، وبقي يعقوب مع ابنه بنيامين شقيق يوسف وأحب ولده له بعد يوسف، فلما دخلوا على يوسف وهو جالس على كرسي رياسته ووزارته في كامل أبّهته وسلطانه، عرفهم حين نظر إليهم، ولم يعرفوه، إذ كانوا فارقوه صغيرًا ولم يخطر ببال أحدهم أنه سيصير إلى ما آل إليه، فسألهم كالمنكر عليهم: ما أقدمكم بلادي؟ قالوا: أيها العزيز، إنا قدمنا للميرة. قال: فلعلكم عيون؟ قالوا: معاذ الله. قال: فمن أين أنتم؟ قالوا: من بلاد كنعان، وأبونا يعقوب نبي الله. قال: له أولادٌ غيركم؟ قالوا: نعم، كنا اثني عشر، فذهب أصغرُنا، هلك في البَرِّية، وكانَ أحَبَّنا إلى أبيه، وبقي شقيقُه فاحتبسه أبوه ليتسلى به عنه. فأمر بإنزالهم وإكرامهم. ثم لما وفّاهم كَيْلهم، وحَمّل لهم أحمالهم قال: ائتوني بأخيكم هذا الذي