ذكرتم لأعلم صدقكم فيما ذكرتم، ألا ترون وفائي، وإن لم تفعلوا فلا كيل لكم عندي بعد اليوم. فوعدوه أن يفعلوا، فأمر فتيانه بإعادة بضاعتهم التي قدموا بها إلى رحالهم من حيث لا يشعرون، حكمة منه بذلك.
فعن قتادة: (﴿وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾، قال: لا يعرفونه).
وعن ابن إسحاق قال: (لما اطمأن يوسف في ملكه وخرج من البلاء الذي كان فيه، وخلت السنون المخصبة التي كان أمرهم بالإعداد فيها للسنين التي أخبرهم بها أنها كائنة، جُهِدَ الناس في كل وجه، وضربوا إلى مصر يلتمسون بها الميرة من كل بلدة. وكان يوسف، حين رأى ما أصاب الناس من الجهد، قد آسى بينهم، وكان لا يحمل للرجل إلا بعيرًا واحدًا، ولا يحمل للرجل الواحد بعيرين (١)، تقسيطًا بين الناس وتوسيعًا عليهم. فقدم إخوته فيمن قدم عليه من الناس يلتمسون الميرة من مصر، فعرفهم وهم له منكرون، لما أراد الله أن يبلغ ليوسف عليه السلام فيما أراد).
وعن السدي قال: (فلما نظر إليهم قال: أخبروني ما أمركم، فإني أنكر شأنكم! قالوا: نحن قوم من أرض الشأم. قال: فما جاء بكم؟ قالوا: جئنا نمتار طعامًا. قال: كذبتم، أنتم عيون، كم أنتم؟ قالوا: عشرة. قال: فأخبروني خبركم؟ قالوا: إنا إخوة بنو رجل صِدِّيق، وإنا كنا اثني عشر، وكان أبونا يحبّ أخًا لنا، وإنه ذهب معنا البرية فهلك منا فيها، وكان أحَبَّنا إلى أبينا. قال: فإلى من سكن أبوكم بعده؟ قالوا: إلى أخ لنا أصغر منه).
وعن ابن إسحاق قال: (لما جَهَّزَ يوسف فيمن جَهَّزَ من الناس، حَمّل لكل رجل منهم بعيرًا بعدّتهم، ثم قال لهم: ﴿ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ﴾، أجعل لكم بعيرًا آخر، أو كما قال: ﴿أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ﴾، أي: لا أبخس الناس شيئًا، ﴿وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ﴾، أي: خير لكم من غيري، فإنكم إن أتيتم به أكرمت منزلتكم، وأحسنت إليكم، وازددتم به بعيرًا مع عدَّتكم، فإني لا أعطي كل رجل منكم إلا بعيرًا، ﴿فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ﴾، لا تقربوا بلدي).