كاد ليوسف ليضمّ إليه أخاه). قال ابن زيد: (ليس في دين الملك أن يؤخذ السارق بسرقته. قال: وكان الحكم عند الأنبياء، يعقوب وبنيه، أن يؤخذ السارق بسرقته عبدًا يسترقّ).
قلت: وهذه الأقوال متقاربة في معناها متكاملة في مفادها، فغاية القول: إن الله تعالى شاء ليوسف عليه السلام هذه الحيلة ليحتفظ بأخيه عنده، فاستفاد من حكم السارق في شريعتهم - شريعة أبيهم يعقوب - أن يُسْتَرَقَّ فيصير عبدًا للمسروق منه، فأخذه بإقرارهم، وما أراد يوسف من ذلك قضاء حكم ملك مصر وتعريض أخيه لقوانين تلك البلاد، ليظلم بلا حجة وبلا ذنب.
قال القاسمي رحمه الله: (وفيه إعلام بأن يوسف ما كان يتجاوز قانون الملك، وإلا، لاستبد بما شاء، وهذا من وفور فطنته، وكمال حكمته، ويستدل به على جواز تسمية قوانين ملل الكفر "دينًا" لها والآيات في ذلك كثيرة). وقال النسفي: (﴿إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ أي: ما كان ليأخذه إلا بمشيئة الله وإرادته فيه).
وقوله: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ - قال ابن جريج: (يوسف وإخوته، أوتوا علمًا، فرفعنا يوسف فوقهم في العلم).
وقال ابن جرير: (بمعنى: نرفع منازل من نشاء رفع منازله ومراتبه في الدنيا بالعلم على غيره، كما رفعنا مرتبة يوسف في ذلك ومنزلته في الدنيا على منازل إخوته ومراتبهم).
وقوله: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ - قال الحسن: (ليس عالمٌ إلا فوقه عالم، حتى ينتهي العلم إلى الله). وعن قتادة: (﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾، حتى ينتهي العلم إلى الله، منه بدئ، وتعلَّمت العلماء، وإليه يعود. وفي قراءة عبد الله: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾).
٧٧ - ٧٩. قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (٧٧) قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ