مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٧٨) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (٧٩)}.
في هذه الآيات: تَصْريحُ إخوة يوسف تجاه الموقف باللمز بيوسف وتشبيه بنيامين به في صنيعه، وَطَعْنُ يوسف بمقولتهم في نفسه، واستِعطافُ الإخوة يوسف لإطلاق بنيامين وأخذ أحدهم مكانه، وإصرار يوسف على مقام العدل في محاسبة الجاني دون غيره.
فقوله: ﴿قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ - قال القاسمي: (هذا تنصل منهم إلى العزيز بالتشبيه به. أي: إِنَّ هذا فعل كما فعل أخ له من قبل، يعنون به يوسف).
وعن ابن جريج: (قال: كانت أم يوسف أمرت يوسف يسرق صنمًا لخاله يعبده، وكانت مسلمة). وقال قتادة: (ذكر أنه سرق صنمًا لجده أبي أمه، فعيروه بذلك)، وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم.
قلت: والذي أرادوا من قولهم ذلك - كما ذكر ابن كثير والقاسمي وغيرهم - التنصل من فعل بنيامين، ومحاولة طعنه مع أخيه أمام العزيز ليظهروا أمامه بالصفاء والصدق.
وقوله: ﴿فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾.
قال ابن عباس: (يقول: أسَرَّ في نفسه قوله: ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ﴾. والمقصود: أن يوسف عليه السلام طعن في نفسه بشهادتهم الكاذبة، بقوله: ﴿أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا﴾ أي: منزلة، حيث سرقتم أخاكم من أبيكم، ومكرتم به شر مكر، ثم طفقتم تفترون على بنيامين البريء، والله أعلم بما تصفون من أمر يوسف وأخيه وبما تكذبون.
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾.
قال النسفي: (﴿قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا﴾ في السن وفي القدر ﴿فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ﴾ أبدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد، فإن أباه يتسلى به عن أخيه


الصفحة التالية
Icon