يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (٨٥) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨٦) يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (٨٧)}.
في هذه الآيات: تَلَقّي يعقوب الخبر بالتشكيك بأولاده، والصبر على المصاب الجديد، وتَذَكُّر يوسف والبكاء من شدة الحزن، وبثه الشكوى إلى الله العظيم، ثم أَمْرُه لهم بالضرب في الأرض لالتماس خبر يوسف وأخيه، وعدم القنوط من رحمة الله، فإنه لا يقنط من روح الله إلا القوم الكافرون.
فقوله: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ - قال قتادة: (يقول: زينت). أي: لما رجع إخوة بنيامين إلى أبيهم وتخلف روبيل وأخبروه أنه سرق اتهمهم أبوهم بأنه قد زينت لكم أنفسكم أمرًا هممتم به. قال محمد بن إسحاق: (لما جاؤوا يعقوب وأخبروه بما جرى اتَّهَمَهُم وظنّ أنَّها كفعلتهم بيوسف: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾).
وقوله: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا﴾ - أي: أصبر على ما نالني من فقد ولدي صبرًا لا شكاية فيه ولا جزع، عسى الله أن يرد عليّ أولادي الثلاثة: يوسف، وبنيامين، وروبيل الذي أقام بديار مصر ينتظر أمر الله فيه.
وقوله: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ - قال ابن جرير: (﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ﴾، بِوَحْدَتي، وبفقدهم وحزني عليهم، وصِدْق ما يقولون من كذبه، ﴿الْحَكِيمُ﴾، في تدبيره خلقه).
وقوله: ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾ - أي: أعرض عن بنيه وقد تجدّد له الحزن القديم وقال: ﴿يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾. قال ابن عباس: (يقول: يا حزني على يوسف). والأسف أشد الحزن والتندم.
وعن ابن إسحاق: (﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ﴾، أعرض عنهم، وتتامَّ حزنه وبلغ مجهودَه، حين لحق بيوسف أخوه، وهَيَّجَ عليه حزنه على يوسف فقال: ﴿وَقَالَ يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾). وعن مجاهدْ (﴿يَاأَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾، قال: يا جَزعاه حزنًا).
روى عبد الرزاق وابن جرير عن سعيد بن جبير أنه قال: (لم يُعْطَ أحدٌ غيرَ هذه الأمة