الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣)}.
في هذه الآيات: عَوْدَةُ إخوة يوسف إلى مصر، ودخولُهم على يوسف ببضاعة قليلة، وهم يرجونه رحمتهم في شأن أخيهم وحسن التزود من كيله، وَكَشْفُ يوسف الحقيقة في أمره، واعترافُهُم له بالذنب وتفضيل الله له عليهم، وصفحه هو عنهم ورجاؤه عفو الله عنهم، وإعطاؤهم قميصه ليلقوه على وجه أبيهم ليرتد بصيرًا بإذن الله ثم ليأتوه أجمعين.
فقوله: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ - في الكلام محذوف، والتقدير: فلما خرجوا من عند يعقوب وتوجهوا إلى مصر ودخلوا على يوسف. ﴿قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرّ﴾ - يعنون من الجَدْب والقحْط وقلة الطعام.
وقوله: ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ﴾ - قال ابن إسحاق: (وخرجوا إلى مصر راجعين إليها، ﴿بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ﴾، أي: قليلة لا تبلغ ما كانوا يتبايعون به، إلا أن يتجاوز لهم فيها، وقد رأوا ما نزل بأبيهم، وتتابَعَ البلاء عليه في ولده وبصره، حتى قدموا على يوسف. فلما دخلوا عليه قالوا: ﴿يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ﴾، رَجَاةَ أن يرحمهم في شأن أخيهم، ﴿مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾).
وعن ابن عباس: (﴿بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ﴾، قال: رَدِيَّةِ زُيُوفٍ، لا تنفق حتى يوضَعَ منها). أو قال: (رَثَّةُ المتاع، الحبلُ والغرارةُ والشيء). أو قال فيها: (كاسدة غير طائل). وعن مجاهد: (﴿مُزْجَاةٍ﴾، قال: قليلة). وقال الضحاك: (كاسدة، لا تنفق). وقال قتادة: (يسيرة).
وأصل الإزجاء: السَّوْق بدفع. قال القرطبي: (والمعنى أنها بضاعة تدفع، ولا يقبلها كل أحد). وقال ثعلب: (البضاعة المزجاة الناقصة غير التامة).
قلت: والمقصود أنهم قدموا ليمتاروا بثمن طعام قليل.
وقوله: ﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ - قال ابن كثير: (أي: أعطنا بهذا الثمن القليل ما كنت تعطينا قبل ذلك وقرأ ابن مسعود: ﴿فأوقِرْ ركابنا وتصَّدق علينا﴾). وعن ابن جريجٍ: (﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾، قال: رُدَّ إلينا أخانا).