وقال سعيد بن جبير: (﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾، يقولون: تصدَّق علينا بقبض هذه البضاعة المزجاة، وتجوَّزْ فيها).
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ - يعني في الدنيا والآخرة. فهو سبحانه يثيب المتفضلين على أهل الحاجة بأموالهم.
في صحيح مسلم عن أنس بن مالك، أنه حَدَّث عن رسول الله - ﷺ -: [إن الكافِرَ إذا عملَ حسنةً أُطعِمَ بها طُعمةً من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدّخِرُ له حسناته في الآخرة ويُعقِبُهُ رِزْقًا في الدنيا، على طاعته] (١).
وقوله: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ - قال القرطبي: (استفهام بمعنى التذكير والتوبيخ، وهو الذي قال الله: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا﴾ [يوسف: ١٥] الآية).
وعن ابن إسحاق قال: (ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام، غلبته نفسه، فارفَضَّ دمعه باكيًا، ثم باح لهم بالذي يكتم منهم، فقال: ﴿هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾).
وخلاصة المعنى هي كما ذكر ابن كثير: (أنه لما ذكر له إخوتُه ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعُموم الجَدْب. وتذَكَّر أباه وما هو من الحزن لفقد ولديه، مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسَّعة، فعند ذلك أخذته رِقَّةٌ ورأفةٌ ورحمةٌ وشفقة على أبيه وإخوته، وبَدَرَه البكاءُ، فتعرَّف إليهم، يقال: إنه رفع التاجَ عن جبهته، وكان فيها شامةٌ، وقال: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾).
وقوله: ﴿إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾ - أي: بإثم العمل الذي أقدمتم عليه وتبعاته.
وقوله: ﴿قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾.
قال ابن إسحاق: (لما قال لهم ذلك، يعني قوله: ﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ﴾، كشف الغِطاء فعرفوه، فقالوا: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ...﴾، الآية).
قال ابن جرير: (﴿وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾، بأن جمع بيننا بعد ما فرقتم بيننا).

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٠٨) (٥٦) (٥٧)، كتاب صفات المنافقين، باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة، وتعجيل حسنات الكافر في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon