وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
قال ابن عباس: (﴿الْبَشِيرُ﴾: البريد). والمقصود: لما جاء البشير من عند يوسف، وهو المبشِّر برسالة يوسف، فوصل إلى يعقوب فألقى القميص على وجهه فارتد بصره بإذن الله. فعندها قال يعقوب لبنيه: ألم أقل لكم إني أعلم من الله أنه سيردّ عليّ يوسف وستنكشف القصة ويظهر أمر الرؤيا. قال ابن جرير: (لأن رؤيا يوسف كانت صادقة، وكان الله قد قضى أن أخِرَّ أنا وأنتم له سجودًا، فكنت موقنًا بقضائه - يقول يعقوب).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (٩٧) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
أي: فلما أبصر بنو يعقوب المشهد أمامهم، أيقنوا أن الله تعالى قد كشف الأمر وأعز يوسف عليه الصلاة والسلام، فعندئذ طلبوا من أبيهم أن يَسأل ربه تعالى ليعفو عنهم ويستر عليهم ذنوبهم التي كانوا أذنبوها في حق يعقوب أبيهم وابنه يوسف أخيهم، فلا يعاقبهم بها يوم القيامة، وها هم يعترفون بذنبهم ويقرون بما صدر منهم. فأجابهم يعقوب عليه السلام إلى طلبهم: أن سوف أسأل ربي عز وجل أن يعفو عنكم ويصفح عن ذنوبكم، إنه هو الغفور الرحيم.
٩٩ - ١٠٠. قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (٩٩) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (١٠٠)﴾.
في هذه الآيات: قُدُومُ موكب يعقوب عليه الصلاة والسلام وزوجته - أم يوسف -، وبنيه بلادَ مصر، للقاء يوسف عليه الصلاة والسلام، وقد كان حمَّل إخوته الأمر أن يأتوه بأهلهم أجمعين، فتحمَّلوا عن آخرهم وترحّلوا من بلاد كنعان قاصدين بلاد مصر، فلما أُخبر يوسف - عليه السلام - باقترابهم خرج هو والملك لتلقي نبي الله