التدبير ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ بتأخير الآمال إلى الآجال أو حكم بالائتلاف بعد الاختلاف).
١٠١. قوله تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)﴾.
في هذه الآية: التِجاءُ يوسف عليه الصلاة والسلام إلى ربه بالدعاء بعد تمام نعمه سبحانه عليه، من قوة السلطان وحسن التمكين، وتأويل الأحلام للسائلين، والحكم والعلم والنبوة، ليتم نعمته عليه بحسن الختام، والوفاة على الإيمان، واللحوق بالصالحين.
فعن مجاهد: (في قوله: ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾، قال: العِبارة).
وعن الضحاك يقول: في قوله: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾، يقول: (توفني على طاعتك، واغفر لي إذا توفيتني).
قال ابن جرير: (قال يوسف: بعدما جمع الله له أبويه وإخوته، وبسط عليه من الدنيا ما بسط من الكرامة، ومكنه في الأرض، متشوِّقًا إلى لقاء آبائه الصالحين: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾، يعني: من ملك مصر، ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾، يعني من عبارة الرؤيا، تعديدًا لنعم الله عليه، وشكرًا له عليها، ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، يقول: يا فاطر السماوات والأرض، يا خالقها وبارئها، ﴿أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾، يقول: أنَّت وليي في دنياي على من عاداني وأرادني بسوء بنصرك، وتغذوني فيها بنعمتك، وتليني في الآخرة بفضلك ورحمتك، ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا﴾، يقول: اقبضني إليك مسلمًا، ﴿وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾، يقول: وألحقني بصالح آبائي إبراهيم وإسحاق ومن قبلهم من أنبيائك ورسلك).
قلت: وليس في الآية ما يدل على تمني يوسف الموت، أو أنه أول من تمناه من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين، بل غاية المعنى أنه يسأل حسن الختام، والوفاة على الإيمان، وأن يلحقه الله تعالى عند وفاته بآبائه الصالحين.


الصفحة التالية
Icon