وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)}.
في هذه الآيات: خاتِمةٌ رائِعةٌ في أعقاب أحداث هذه السورة الكريمة، فيها تأكيدٌ على وجوب لزوم منهاج النبوة في الدعوة إلى الله والصبر على الأذى، ودعوة الناس للاعتبار بقصص القرآن والاستعداد للآخرة، وتأكيدٌ على النصر والتمكين للرسل وأتباعهم في نهاية الرحلة والمجاهدة للمعاندين والمستكبرين والمجرمين. إن في قصص القرآن عبرة لأولي الألباب وتأكيد على ثوابت المنهج وهدى ورحمة لقوم يؤمنون.
فعن الربيع بن أنس قوله: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾، قال: (هذه دعوتي). وقال ابن زيد: (هذا أمري وسنتي ومنهاجي). قال النسفي: (﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾: هذه السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان والتوحيد سبيلي. والسبيل والطريق يذكران ويؤنثان).
وقوله: ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ - أي: أدعو إلى الدين الحق على حجة واضحة وبرهان ساطع، فهو شأني وشأن من سار على منهجي واتبع أثري.
قال ابن زيد: (وحقٌ والله على من اتبعه أن يدعو إلى ما دعا إليه، ويذكِّر بالقرآن والموعظة، وَينْهى عن معاصي الله).
فإن كان قوله: ﴿وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ معطوفًا على الضمير في ﴿أَدْعُو﴾، فهو دليل على أن أتباعه هم الدعاة إلى الله، وإن كان معطوفًا على الضمير المنفصل، فهو صريح أن أتباعه هم أهل البصيرة فيما جاء به دون غيرهم - ذكره العلامة ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية ثم قال: (وكلا المعنيين حق) -.
وقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. - قال ابن كثير: (وقوله: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ﴾، أي: وَأُنَزِّهُ الله وأُجِلُّهُ وأُعَظِّمُه وأقدِّسُه، عن أن يكون له شريكٌ أو نظير، أو عديل أو نديدٌ، أو ولدٌ أو والدٌ أو صاحبةٌ، أو وزيرٌ أو مُشيرٌ، تباركَ وتقدَّسَ وتنزَّهَ تعالى عن ذلك كله علوًا كبيرًا، ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤٤)﴾ [الإسراء: ٤٤]).
وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا﴾. - قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وما أرسلنا، يا محمد، من قبلك إلا رجالًا، لا نساءً ولا ملائكة). قال ابن عباس: (﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا﴾ أي: ليسوا من أهل السماء كما قلتم). وفي التنزيل: