وحسِبوا أنهم يُكذِّبونهم، أي: خافوا أن يدخل قلوب أتباعهم شك).
قلت: فالراجح في تأويل الآية: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ﴾ أي: من إيمان أقوامهم بعدما ظهر إصرارهم وعنادهم، ثم - على القراءة الأولى -: ﴿وظنوا أنهم قد كُذِبوا﴾ بالتخفيف، أي: أوشكوا على الضعف حتى خطر في قلوبهم ما خطر لتأخر النصر عنهم، وعلى - القراءة الثانية - بالتشديد: ﴿وظنوا أنه قد كُذِّبوا﴾ ممن تابعوهم لشدة المحنة عليهم فهنالك: ﴿جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾.
وفي السنة الصحيحة من آفاق هذا المعنى:
الحديث الأول: أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [إن الله تجاوز عن أمتي ما حَدَّثت به أنْفُسها ما لم تَعْمَلْ أَوْ تتكلم] (١).
قال قتادة: (إذا طَلَّقَ في نفسه فليس بشيء).
وفي لفظ: [إن الله تجاوز لي عنْ أمتي ما وسوستْ به صُدورها ما لم تَعْمل أو تَتكلَّم].
الحديث الثاني: أخرج الخطيب في "التاريخ"، والديلمي في "الفردوس"، بسند رجاله ثقات عن أنس مرفوعًا: [النَّصْر مع الصَّبر، والفرج مع الكَرْبِ، وإنَّ مع العُسْرِ يُسْرًا] (٢).
وقوله: ﴿فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾.
قرأ عامة قراء المدينة ومكة والعراق: ﴿فُنُنْجي من نشاء﴾ مُخَفَّفة بنونين، والقراءة بالإدغام لبعض الكوفيين. والمعنى: فننجي الرسل ومن نشاء من المؤمنين حين يجيء نصرنا، ولا رادّ لعقوبتنا وبطشنا عن أهل الكفر ومعاندة الرسل.
قال ابن عباس: (﴿فننجي من نشاء﴾، فننجي الرسل ومن نشاء، ﴿وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾، وذلك أن الله تبارك وتعالى بَعَث الرسل فدعوا قومهم، وأخبروهم أنه من أطاع نجا، ومن عصا عُذِّبَ وغَوَى).
(٢) رجاله ثقات. أخرجه الخطيب في "التاريخ" (١٠/ ٢٨٧)، والديلمي (٤/ ١١١ - ١١٢)، وله شواهد عند الحاكم (٣/ ٥٤١)، وأبي نعيم في "الحلية" (١/ ٣١٤)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم - (٢٣٨٢)، وقال: الحديث صحيح.