٢ - قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (٢١) إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ [المعارج: ١٩ - ٢٢].
قال ابن جريجِ: (﴿ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي﴾، غِرّة بالله وجراءة عليه، ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ﴾، والله لا يحب الفرحين، ﴿فَخُورٌ﴾، بعدما أعطي، وهو لا يشكر الله. ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ عند البلاء، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، عند النعمة، ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾، لذنوبهم، ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾، قال: الجنة).
قال ابن كثير: (وهكذا إن أصابته نعمةٌ بعد نِقمة ﴿لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي﴾، أي: يقول: ما ينالني بعد هذا ضيمٌ ولا سوءٌ، ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾، أي: فَرِحٌ بما في يده، بَطِرٌ فخورٌ على غيره. قال الله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾، أي: في الشدائد والمكاره، ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: في الرَّخاء والعافية، ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾، أي: بما يصيبهم من الضرَّاء، ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾، بما أسلفوه في زمن الرخاء).
وقد حفلت السنة الصحيحة بذكر آفاق هذه المعاني في أحاديث:
الحديث الأول: أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن صهيب قال: قال رسول الله - ﷺ -: [عجبًا لأمر المؤمن، إنّ أمره كُلَّهُ له خيرٌ، وليسَ ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سَرَّاء شكَرَ، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صَبَر، فكان خيرًا له] (١).
الحديث الثاني: أخرج الإمام أحمد في المسند، والدارمي في السنن، بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال: [بينا رسول الله - ﷺ - قاعد مع أصحابه إذ ضحك، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ قالوا: يا رسول الله! ومم تضحك؟ قال: عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير، وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن] (٢).
الحديث الثالث: أخرج عبد الله بن أحمد في مسند أبيه بسند رجاله ثقات، عن
(٢) حديث صحيح. أخرجه الدارمي (٢/ ٣١٨)، وأحمد (٦/ ١٦)، وسنده صحيح على شرط مسلم، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة - حديث رقم - (١٤٧).