١٥ - ١٧. قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١٧)﴾.
في هذه الآيات: تحذير الله تعالى عباده من الرياء. فإنه من كان يريد بعمل الآخرة الدنيا يعجل الله له ثوابه فيها وليس له في الآخرة من نصيب. أفمن كان على صفاء الفطرة، ونور الوحي: القرآن، والتوراة من قبله، كمن يكفر بهذا القرآن من مشركي مكة ومن سيجيء على منهاجهم، ممن هم إلى النار مصيرهم. فاثبت - يا محمد - فإن هذا القرآن حق، ووعد الله ووعيده حق، ولكن أكثر الناس غافلون غير مصدقين.
فقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾ الآية.
قال مجاهد: (من عمل عملًا مما أمَرَ الله به، من صلاة أو صدقة، لا يريد بها وجه الله، أعطاه الله في الدنيا ثوابَ ذلك مثلَ ما أنفق، فذلك قوله: ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾، في الدنيا، ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ﴾، أجر ما عملوا فيها، ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا﴾، الآية).
وقوله: ﴿وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
قال ابن عباس: (قوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾، الآية، وهي ما يعطيهم الله من الدنيا بحسناتهم، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرًا. يقول: من عمل صالحًا التماس الدنيا، صومًا أو صلاة أو تهجدًا بالليل، لا يعمله إلا لالتماس الدنيا، يقول الله: أوفّيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعملُ التماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين).
وهذه الآية حرب على الرياء وأهله لو كانوا يفقهون، وحرب على النفاق وأهله لو كانوا يعلمون، فإنه لا ينفع من العمل إلا ما التمس به وجه الله تعالى.