فمكثنا قليلًا ثم أفاق، فقال: لأحدِّثَنَك حديثًا حدثنيه رسول الله - ﷺ - أنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحدٌ غيري وغيرُه، ثم نَشَغَ أبو هريرة نشغةً أخرى، ثم أفاق ومسح عن وجهه، فقال: أفعلُ، لأحدِّثنك حديثًا حدثنيه رسول الله - ﷺ - أنا وهو في هذا البيت، ما معنا أحدٌ غيري وغيره، ثم نَشَغَ أبو هريرة نشغةً شديدة، ثم مال خارًّا على وجهه، فأسندته طويلًا، ثم أفاق، فقال: حدثني رسول الله - ﷺ -:
إن الله تبارك وتعالى إذا كان يومُ القيامة، ينزِلُ إلى العباد، ليقضي بينهم، وكُلُّ أمة جاثية، فأول من يُدعى به رجلٌ جمع القرآن، ورجلٌ قُتِلَ في سبيل الله، ورجلٌ كثير المال، فيقول الله عز وجل للقارئ: ألم أُعلِّمكَ ما أنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى يا ربِّ، قال: فما عملتَ فيما عَلِمتَ؟ قال: كنت أقومُ به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله عز وجل له: كَذَبْتَ، وتقول له الملائكة: كذَبْتَ، ويقول الله تبارك وتعالى: بل أردت أن يقال فلان قارئ، وقد قيل ذلك.
ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله عز وجل: ألم أُوسِع عليك حتى لم أَدَعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ؟ قال: بلى يا ربِّ، قال: فماذا عَمِلتَ فيما آتيتُك؟ قال: كنتُ أصِلُ الرحمَ وأتصدقُ. فيقول الله له: كَذَبْتَ، وتقول الملائكة: كَذَبْتَ، ويقول الله تبارك وتعالى، بل أردتَ أن يقال: فلانٌ جوادٌ، وقد قيل ذلك.
ويؤتى بالذي قُتِلَ في سبيل الله، فيقول الله له: فيماذا قُتِلتَ؟ فيقول: أي ربِّ! أَمَرْتَ بالجهاد في سبيلك فقاتلتُ حتى قُتِلتُ، فيقول الله له: كذَبْتَ، وتقول الملائكة: كذبْتَ، ويقول الله: بل أردْتَ أن يقالَ: فلانٌ جريءٌ، فقد قيل ذلك.
ثم ضرب رسول الله - ﷺ - على ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثةُ أولُ خلق الله تُسْعر بهم النار يومَ القيامة.
قال الوليدُ أبو عثمان المديني: وأخبرني عُقبة أن شُفَيًّا هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا، قال أبو عثمان: وحدثني العلاء بن أبي حكيم أنه كان سيّافًا لمعاوية قال: فدخل عليه رجلٌ فأخبره بهذا عن أبي هريرة. فقال معاوية: قد فُعِلَ بهؤلاء هذا، فكيف بمنْ بَقِيَ مِنَ الناس؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدًا، حتى ظَننّا أنه هالك، وقلنا: قد جاءنا هذا الرجل بِشَرٍّ. ثم أفاق معاوية، ومسح عن وجهه، وقال: صدق الله ورسوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ