وقوله: ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾.
أي: وراء هذا الكافر جهنم بعد هلاكه، وشرابه ماء كالصديد وهو ما يسيلُ من أجسام أهل النار من القيحِ والدم. قال قتادة: (والصديد: ما يسيل من لحمه وجلده).
وعن مجاهد: (﴿مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ قال: قيح ودم)، وقال الضحاك: (يعني بالصديد: ما يخرج من جوف الكافر، قد خالط القيح والدم).
وقوله: ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾.
أي: يتحسَّاه جُرَعًا لا مرة واحدة لمرارته وحرارته، ولا يكاد يبتلعه لشدةِ أذاه، بل يتغصَّصُه ويتكرّهه.
وقوله: ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾.
قال ابن عباس: (أنواع العذاب التي يُعذِّبهُ اللهُ بها يوم القيامةِ في نار جهنم، وليس منها نوع إلا الموت يأتيه منه لو كان يموت، ولكن لا يموتُ، لأن الله تعالى قال: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: ٣٦]).
وعن ميمون بن مِهران: (﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾، قال: مِنْ كُلِّ عظم، وعِرْقٍ، وعَصَبٍ).
وقال عكرمة: (حتى من أطراف شعره). وقال إبراهيم التيميّ: (من موضع كل شعرة، أي: من جَسَدِه، حتى من أطراف شعره). وقال ابن جرير: (أي: من أمامه وورائه، وعن يمينهِ وشماله، ومن فوقِه ومن تحتِ أرجُلِه، ومن سائر أعضاء جسده).
وقوله: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾. أي: وله بعد ما هو فيه من سوء الحال، عذاب أغلظ وأشد. قال ابن كثير: (أي: وله من بعد هذا الحال عذابٌ آخرُ غليظٌ، أي: مؤلم صعب شديدٌ أغلظ من الذي قبله وأدهى وأمرُّ. وهذا كما قال تعالى عن شجرة الزقوم: ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٦٤ - ٦٨]. فأخبر أنهم تارة يكونون في أكل زقوم، وتارة في شرب حميم، وتارةً يردون إلى الجحيم، عياذًا باللهِ من ذلك).