(يعني الأوثان). قال ابن جرير: (يقول: يا ربّ إنّ الأصنامَ أضللن، يقول: أزلن كثيرًا من الناس عن طريق الهُدى وسبيلِ الحق حتى عبدوهنّ، وكفروا بك).
وقوله: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
قال النسفي: (فمن تبعني على ملتي وكان حنيفًا مسلمًا مثلي ﴿فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ أي هو بعضي لفرط اختصاصه بي ﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ فيما دون الشرك ﴿فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ - أو ومن عصاني عصيان شرك - فإنك غفور رحيم إن تاب وآمن).
وعن قتادة: (﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قال: اسمعوا إلى قول خليل الله إبراهيم، لا والله ما كانوا طعَّانين ولا لعَّانين، وكان يقال: إنَّ من أشرّ عباد الله كلَّ طعان لعّان، قال نبي الله ابن مريم عليه السلام: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: ١١٨]).
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو: [أن رسول الله - ﷺ - تلا قول إبراهيم: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وقول عيسى عليهِ السلام: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، ورفع يديه، قال: "اللهم أمتي، اللهم أمّتي". وبكى، فقال الله: اذهب يا جبريل إلى محمد - وربُّكَ أعلم - وسَله ما يُبكيك؟ فأتاهُ جبريل - عليه السلام - فسألهُ، فأخبره رسول الله - ﷺ - ما قال. فقال الله: اذهب إلى محمد: فقل لهُ: إنا سنرضيكَ في أمتك ولا نسوؤك] (١).
وقوله: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ - الآية.
قال ابن كثير: (وهذا يدل على أن هذا دعاء ثانٍ بعد الدعاء الأول الذي دعا به عندما ولّى عن هاجر وولدها، وذلكَ قبلَ بناء البيت، وهذا كان بعد بنائه، تأكيدًا ورغبةً إلى الله عز وجل).
قال قتادة: (﴿غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾، قال: مكة لم يكن بها زرع يومئذ). وقال: (﴿عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾، وإنه بيتٌ طهَّره الله من السُّوء، وجعله قبلة، وجعله حَرَمه (٢)، اختاره نبيُّ الله إبراهيم لولده). قال ابن عباس: (أسكن إسماعيل وأمه مكة).
(٢) مفهوم المحرّم: أي من استحلال حرمات الله فيه، والاستخفاف بحقه.