كان مكرهم لأوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال). فوجّهوا "إنْ" بمعنى "ما" أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال لضعفه ووهنه.
٢ - قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: (﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾، يقول شركهم، كقوله ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾ [مريم: ٩٠، ٩١]).
وعن شِمر، عن عليّ قال: (الغدر: مكر، والمكر: كفر).
قال القاسمي: (﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ﴾ أي بالنبي صلوات الله عليه " ﴿مَكْرَهُمْ﴾ أي العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم لإبطال الحق وتقرير الباطل ﴿وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ﴾ أي جزاء مكرهم ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ﴾ أي في العظم والشدة ﴿لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ أي مُسَوّىً ومُعَدًّا لإزالة الجبال عن مقارّها، لتناهي شدته).
قلت: والمعنى الثاني هو الراجح في مفهوم هذه الآية، وهو الأنسب للسياق.
٤٧ - ٥٢. قوله تعالى: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٥١) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٥٢)﴾.
في هذه الآيات: متابعة الله خطابه لنبيهِ يَعِدُهُ بالنصر المبين. ويَنْعَتُ لهُ يومَ تُبدل السماوات والأرض حال المجرمين. وقد صُفِّدوا بالأغلال وسرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم نار الجحيم. ليجزي الله بعدله الصادقين والكاذبين. إنما هذا بلاغ للناس من الله رب العالمين.
فقوله: ﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ - تثبيت من الله تعالى لرسوله محمد - ﷺ - وتسلية له عما يلقاه من تكذيب قومهِ وعنادهم وجحود نبوَّته عليه الصلاة والسلام.
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ﴾. قال ابن جرير: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾: لا يمانع منه