قال النسفي: (﴿سَرَابِيلُهُمْ﴾ قمصهم ﴿مِنْ قَطِرَانٍ﴾ هو ما يتحلب من شجر يسمى الأبهل فيطبخ فيهنأ به الإبل الحربى فيحرق الجرب بحدته وحره، ومن شأنهِ أن يسرع فيه اشتعال النار، وهو أسود اللون منتن الريح فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ليجتمع عليهم لذع القطران وحرقته وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين، وكل ما وعده الله أو أوعد به في الآخرة فبينه وبين ما نشاهد من جنسه ما لا يقادر قدره، وكأنهُ ما عندنا منه إلا الأسامي والمسميات ثمة، نعوذ باللهِ من سخطهِ وعذابه).
وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - ﷺ -: [أربعٌ من أمرِ الجاهليةِ لا يُتركن: الفخر بالأحساب، والطعنُ في الأنساب، والاستسقاءُ بالنجوم، والنياحة، والنائحةُ إذا لم تَتُبْ قبل موتها تقام يوم القيامةِ وعليها سربالٌ من قطران ودِرْعٌ من جَرَبٍ] (١).
وقوله: ﴿وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ - كقوله: ﴿تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ [المؤمنون: ١٠٤]. أي: تضرب النار وجوههم فتعلوها باشتعالها، قال القاسمي: (وتخصيص الوجوه لكونها أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه، كالقلب في باطنه، ولذلكَ قال: ﴿تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ﴾ [الهمزة: ٧]، ولكونها مجمع الحواس التي خلقت لإدراكِ الحق، وقد أعرضوا عنه، ولم يستعملوها في تدبره. كما أن الفؤاد أشرف الأعضاء الباطنة ومحل المعرفة، وقد ملؤوها بالجهالات. أفاده الزمخشري وأبو السعود) انتهى. قلت: وحكى نحوه النسفي في تفسيره.
وقوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾.
أي: ليجزي الله يوم الحساب المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وما حسابه لجميع عباده إلا أسرع من لمح البصر، إذ لا تخفى عليه خافية من أعمالهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن حسابه سريع مجيئهُ. قال ابن كثير: (﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ﴾ أي: يوم القيامة، كما قال: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم: ٣١]. ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾، يحتملُ أن يكون كقوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١]، ويحتمل أنه في حال محاسبتهِ لعبده