المرادُ أن كلَّ كافر يَوَدُّ عند احتضاره أن لو كان مؤمنًا. وقيل: هذا إخبار عن يوم القيامة، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنعام: ٢٧]). وقيل: هو في القيامة إذا رأوا كرامة المؤمنين وذل الكافرين. وقال سعيد بن جبير: (إذا أُخْرِجَ أهلُ التوحيد من النار وأُدخلوا الجنة، يَوَدُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) - ذكره الترمذي.
قلت: وكل ما سبق محتمل ممكن يتسع له مفهوم الآية. وقرأ نافع وعاصم ﴿رُبَمَا﴾ مخفّف الباء، والباقون قرؤوها بالتشديد، وهما لغتان. أي يودّ الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين.
وقوله تعالى: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾.
تهديد ووعيد للكفار وهم يعيثون فسادًا في الأرض. أي: ذر يا محمد هؤلاء المشركين يأكلوا في هذه الدنيا وينغمسوا في ألوان الشهوات والملذات منشغلين بها عن طاعة الله وتعظيمه حتى تفجأَهم آجالهم ويروا العذاب.
وفي التنزيل: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾ [المرسلات: ٤٦]. ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾ [إبراهيم: ٣٠].
قال الحسن: (ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل) - ذكره القرطبي ثم قال: (وصدق رضي الله عنه! فالأمل يكسل عن العمل ويورث التراخي والتواني، ويعقب التشاغل والتقاعس، ويخلد إلى الأرض ويميل إلى الهوى. وهذا أمر قد شوهِدَ بالعيان فلا يحتاج إلى بيان ولا يُطْلَب صَاحبه ببرهان، كما أن قصر الأمل يبعث على العمل، ويُحيل على المبادرة، ويحثّ على المسابقة).
ويروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قام على درج مسجد دمشق فقال: (يا أهل دمشق، ألا تسمعون من أخ لكم ناصح، إنَّ من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرًا ويبنون مشيّدًا ويأملون بعيدًا، فأصبح جمعهم بُورًا وبنيانهم قبورًا وأملهم غرورًا. هذه عاد قد ملأت البلاد أهلًا ومالًا وخيلًا ورجالًا، فمن يشتري مني اليوم تركتهم بدرهمين! وأنشد:



الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2024
Icon
يا ذا المؤمل آمالًا وإن بَعُدَت منه ويزعم أن يحظى بأقصاها
أنَّى تفوز بما ترجوه وَيْكَ وما أصبحت في ثقة من نَيْل أدناها)