القرآن إلى غير حفظه، وقد جعل قوله: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ دليلًا على أنه منزل من عنده آية، إذ لو كان من قول البشر أو غير آية لتطرق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرق على كل كلام سواه. أو الضمير في "له" لرسول الله - ﷺ - كقوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ﴾).
وقال القاسمي: (﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ أي من كل مَنْ بغى له كيدًا. فلا يزال نور ذكره يسري، وبحر هداه يجري، وظلال حقّيّته في علومه تمتد على الآفاق، ودعائم أصوله الثابتة تطاول السبع الطباق، رغمًا عن كيد الكائدين، وإفساد المفسدين. ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: ٨]. وفي إيراد الجملة الثانية اسميةً، دلالة على دوام الحفظ).
قلت: والحفظ للذكر يتناول حفظ التأويل، وإقامة الحجة على مدار الزمان بصواب التفسير، وهذا يتضمن حفظ الوحي الثاني - ألا وهو السُّنة - المفسرة للوحي الأول: القرآن. كيف لا، وقد جاءت كلمة "الذكر" في موضع آخر من القرآن لتدل على ذلك.
قال تعالى في سورة النحل: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤].
أي: وأنزلنا إليك السنة وهي السيرة، لتفسر بها للناس هذا القرآن.
قال الحافظ ابن كثير: (﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ أي: من ربهم لعلمك بمعنى ما أنزل الله عليك وحرصك عليه).
فكلاهما في كِلاءة الله وحفظه، وقد تكفل الله بحماية فهم كتابه، ليبقى الدين بهذا النقاء والصفاء حجة الله على عباده.
فقد أخرج الإمام أحمد في المسند، عن أبي سعيد الخدري قال: [كنا جلوسًا ننتظر رسولَ الله - ﷺ -، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، فقمنا معه، فانقطعت نعله، فتخلَّفَ عليها عليٌّ يَخْصِفُها، فمضى رسول الله - ﷺ - ومضينا معه، ثم قام ينتظره، وقمنا معه، فقال: "إنَّ منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلت على تنزيله". فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا، ولكنه خاصف النعل. قال: فجئنا نبشِّرُه] (١).
وفي رواية: (إنّ منكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله. فقام أبو بكر