يلقاه من تكذيب قومه، بأنه ما أتى رسولٌ قبله في أمة إلا استهزؤوا به وكذبوه وعاندوه، وسخروا به وبمن تبعه، وتمردوا وعتوا في الأرض بغيًا وكبرًا. وهو قوله تعالى: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾.
قال قتادة: (إذا كذبوا سلك الله في قلوبهم أن لا يؤمنوا به). وقال ابن جريج: (﴿كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ﴾ قال: التكذيب). وقال الحسن: (الشرك). وقال ابن زيد: (هم كما قال الله، هو أضلهم ومنعهم الإيمان).
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: كما سلكنا الكفر في قلوب شيع الأولين بالاستهزاء بالرسل، كذلك نفعل ذلك في قلوب مشركي قومك الذين أجرموا بالكفر بالله ﴿لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ يقول: لا يصدّقون بالذكر الذي أنزل إليك. والهاء في قوله: ﴿نَسْلُكُهُ﴾ من ذكر الاستهزاء بالرسل والتكذيب بهم).
قلت: والآية دلالة على بعض عقوبات الله في حرمانه الهدى والهداية لمن استهزأ بفرصها وضيّعها، فإن للإيمان بالله ومتابعة الرسل مواسم وعزائم تتوجه نحو القلب فإن فوّتها ولم يكترث بها ربما لم تعد مرة أخرى، وكان الضياع والحرمان ثم الشقاء.
ففي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله - ﷺ - يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تَعْنون فتنةَ الرجل في أهله وماله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تِلكَ تُكفِّرُها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع رسول الله - ﷺ - يذكر التي تَموجُ موج البحر؟ قال حذيفة: فَأَسْكَتَ القومُ، فقُلتُ: أنا. قال: أنت لله أبوك؟ قال حذيفة: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [تُعرض الفِتَنُ كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قَلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قَلب أنكرها نُكِتَ فيه نكتةٌ بيضاء، حتى يصير على قلبين: على أبيضَ مثل الصفا فلا تضرّه فتنةٌ ما دامت السماواتُ والأرضُ، والآخر مُرْبادًّا كالكوز مُجَخِّيًا، لا يعرف معروفًا ولا يُنْكِرُ منكرًا، إلّا ما أُشرِبَ من هواه] (١).
وقوله: ﴿وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ﴾.
قال قتادة: (وقائع الله فيمن خلا قبلكم من الأمم). وقال النسفي: (مضت طريقتهم