نظر من تحت إبطيه، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾] (١).
وله أصل من حديث سفيان الثوري، أخرجه الحاكم عن رجل عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (﴿الْمُسْتَقْدِمِينَ﴾: الصفوف المقدمة، و ﴿الْمُسْتَأْخِرِينَ﴾: الصفوف المؤخرة) (٢).
وأخرج ابن مردويه عن داود بن صالح قال: [قال سهل بن حنيف الأنصاري: أتدرون فيم أنزلت: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ..﴾ الآية؟ قلت: في سبيل الله، قال: لا، ولكنها في صفوف الصلاة] (٣).
وقد زعم ابن كثير رحمه الله في الحديث السابق - حديث الترمذي - نكارة شديدة، ربما يعني أنه لا يعقل لأحد من المصلين التأخر للصف الآخر لينظر إلى امرأة. والجواب على ذلك بأن يقال: إذا ورد الأثر بطل النظر، ويحتمل عندئذ أن يكون الناس المستأخرون من المنافقين أو ممن أسلم حديثًا ولم ترسخ آداب الإسلام في سلوكهم.
ومن جهة أخرى، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فمع أن المعنى المستفاد من سبب النزول يختلف قليلًا عما تدل عليه الآية بسباقها وسياقها، فإن عموم اللفظ يتسع لذلك، وقد اختار شيخ المفسرين الإمام ابن جرير رحمه الله حمل الآية على هذا العموم حيث قال: (وجائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصف لشأن النساء، والمستأخرين فيه لذلك، ثم يكون الله عز وجل عمّ بالمعنى المراد منه جميع الخلق، فقال جلّ ثناؤه لهم: قد علمنا ما مضى من الخلق وأحصيناهم وما كانوا يعملون ومن هو حيّ منكم، ومن هو حادث بعدكم أيها الناس! وأعمال جميعكم، خيرها وشرها، وأحصينا جميع ذلك، ونحن نحشرهم جميعهم فنجازي كلًا بأعماله إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فيكون ذلك تهديدًا ووعيدًا للمستأخرين في الصفوف لشأن النساء، ولكل من تعدى حد الله وعمل بغير ما أذن له به، ووعدًا لمن تقدّم في الصفوف لسبب النساء وسارع إلى محبة الله ورضوانه في أفعاله كلها).
(٢) انظر: مستدرك الحاكم (٢/ ٣٥٣)، والمرجع السابق (ج ٥) ص (٦١٠).
(٣) انظر: "الدر المنثور" (٤/ ٩٧)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (ج ٥) ص (٦١٠)، وهو شاهد للحديث السابق الذي رواه الترمذي والطيالسي.