يكونوا يبصرونه إبصار صادق في النظر إلى سبيل الهداية والرشاد، بل شغلهم الكفر والفجور والشهوات وصد الناس عن سبيل الله، ظنًا منهم أن ذلك يحفظ مصالحهم ودنياهم الفانية، فَعَطّلَ لديهم فائدة السمع والبصر.
قلت: وهذه الآية نص في مفهوم الاستطاعة الموافقة للعمل. فإن الاستطاعة كما وردت في الكتاب والسنة نوعان:
النوع الأول: الاستطاعة قبل العمل - وتعني سلامة الجوارح والآلات وأعضاء البدن - بمعنى: حضور القدرة الجسدية والإرادة العقلية، وهي استطاعة مخلوقة مع الإنسان وليس ابتداء عند العمل، لأن العقل لا يكون عقلًا ما لم يكن مريدًا مميزًا، والقوي لا يقال عنه قوي ما لم يكن معروفًا بالقوة وأسبابها، وإلا فغياب العقل سبب لرفع التكليف.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦].
٣ - وقال تعالى: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ [المجادلة: ٤].
وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين، عن النبي - ﷺ - قال: [صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب] (١).
النوع الثاني: الاستطاعة الموافقة للعمل - وهي خلق القدرة على ذلك العمل - وتأتي بمعنى التوفيق.
كما قال جل ثناؤه: ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٠٠) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ [الكهف: ١٠٠، ١٠١].
وكقوله في آية هود: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ﴾.
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: [يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد