وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾. المقصود: ثمود قوم صالح عليه السلام. قال قتادة: (أصحاب الحجر: أصحاب الوادي).
وقال النسفي: (هم ثمود والحجر واديهم وهو بين المدينة والشام، ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ يعني بتكذيبهم صالحًا، لأن كل رسول كان يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعًا، فمن كذَّب واحدًا منهم فكأنما كذبهم جميعًا). وقال القاسمي: (ومن كذب واحدًا من الأنبياء عليهم السلام، فقد كذب الجميع. لاتفاقهم على التوحيد والأصول التي لا تختلفُ باختلاف الأمم والأعصار).
وقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾.
قال القرطبي: (المراد الناقة، وكان فيها آيات جَمَّة: خروجها من الصخرة (١)، ودُنُوُّ نتاجها عند خروجها، وعظمها حتى لم تشبهها ناقة، وكثرة لبنها حتى تكفيهم جميعًا. ويحتمل أنه كان لصالح آيات أخر سوى الناقة، كالبئر وغيره. ﴿فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾ أي لم يعتبروا).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾. أي: من غير خوف ولا احتياج إليها، وإنما هو أشر وبطر، وعبثٌ وتكبّر، يظنون أن تلكَ البيوت تدفع عنهم عذاب الله.
وقوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول: فأخذتهم صيحة الهلاك حين أصبحوا من اليوم الرابع من اليوم الذي وُعدوا العذاب، وقيل لهم: تمتَّعوا في داركم ثلاثة أيام... يقول: فما دفع عنهم عذاب الله ما كانوا يجترحون من الأعمال الخبيثةِ قبل ذلك). وقال ابن كثير: (﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. أي: ما كانوا يستغلّونهُ من زروعهم وثمارهم التي ضَنّوا بمائها عن الناقةِ، حتى عقروها لئلا تُضيِّقَ عليهم في المياه، فما دفعت عنهم تلكَ الأموال، ولا نفعتهم لمَّا جاء أمرُ ربك).
قلت: وقد جاءت السنة الصحيحة بتوصيات تخص الأقوام السابقة التي دكّها الله

(١) أخرج الله الناقة لهم بدعاءِ صالحٍ من صخرة صَمّاء، فكانت تسرح في بلادهم لها شِرْبٌ ولهم شِرْبُ يوم معلوم. فلما عتوا وعقروها قال لهم: ﴿تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ [هود: ٦٥]. وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧].


الصفحة التالية
Icon