فقوله: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقّ﴾.
أي: وما كان من خلق للسماوات والأرض وما بينهما مما في أطباق ذلكَ إلا بالعدل والإنصاف، لا بالظلمِ والجَور. قال ابن جرير: (وإنما يعني تعالى ذكره بذلكَ: أنهُ لم يظلم أحدًا من الأمم التي اقتصّ قَصَصَها في هذه السورة، وقصص إهلاكهِ إياها بما فعل به من تعجيلِ النقمة له على كفره به، فيعذّبه ويهلكه بغيرِ استحقاق، لأنه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما بالظلم والجور، ولكنهُ خلق ذلكَ بالحق والعدل).
وفي التنزيل مما يشبهُ ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [ص: ٢٧].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٦ - ١٨].
٣ - وقال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٥، ١١٦].
وقوله: ﴿وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾.
أي: والساعة قادمة فاعف عمن آذاك منهم واصفح، وأعرض عنهم إعراضًا جميلًا.
كما في التنزيل: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ [الزخرف: ٨٩].
وعن مجاهد: (﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ قال: هذا قبل القتال). وعن قتادة: (ثم نسخ ذلكَ بعد، فأمره الله تعالى ذكره بقتالهم، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبدهُ ورسوله، لا يقبلُ منهم غيره).
ولا شكَّ أن هذه الآية مكية، وشرع القتال بعد الهجرة، فيكون المفهومُ كما ذهب مجاهد وقتادة أنه يرجع لأول الأمر، ثم نسخ الأمر بقتال المشركين.
وقوله تعالى. ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾.
تَأْكِيدٌ لأمر قيام الساعة الذي يكذب به المشركون، فالله تعالى هو الخلّاقُ لا يعجزهُ شيء، وهو القادر على جمع الأجساد بعد تفرقها في تراب الأرض.